الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
وإذا خرج أمير العسكر مع السرية وخلف الضعفة في المعسكر وأمر عليهم أميراً فابتلوا بالقتال فنفل لهم أميرهم فهو جائز على ما يجوز عليه نفل أمير السرية لأن الذين خلفهم في المعسكر بمنزلة سرية وجههم من المعسكر إلى ناحية فكما أن لأميرهم الولاية عليهم خاصة دون الذين خرجوا مع أمير العسكر فهنا لأمير الضعفة الولاية عليهم خاصة دون الذين خرجوا مع أمير العسكر في حكم التنفيل. ولو أن أمير السرية الذين نفل لهم الإمام الثلث بعد الخمس بعد من المعسكر ثم بعث سرية من سريته ونفلهم أقل من النفل الأول وأكثر فذلك جائز في حصة أصحاب سريته. ثم المسألة على وجهين: أحدهما أن نصيب السرية الثانية غنيمة ثم يرجع إلى السرية الأولى ثم يلحقون جميعاً بأهل المعسكر. وفي هذا يجوز النفل للسرية الأولى ويرفع ذلك مما جاءوا به ثم يقسم ما بقي حتى يتبين حصة السرية الأولى ثم ينفذ من ذلك كله نفل السرية الثانية لأن تنفيل أمير السرية الأولى إنما يجوز في حصة أصحابه خاصة من النفل والغنيمة جميعاً دون حصة أهل العسكر. فإذا تبين من ذلك حصتهم يعطي من ذلك نفل السرية الثانية فإن كان يأتي ذلك على جميع حصتهم ويفضل أيضاً لم يكن لهم من الفضل شيء لأنه لا ولاية لأميرهم على حصة أهل العسكر إلا أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل فحينئذ هو نائب عن الأمير ينفذ تنفيله للسرية الثانية. في حق جميع أهل العسكر. والفصل الثاني: فيما إذا لم يلقوا أهل العسكر حتى خرجوا إلى دار الإسلام. فهاهنا يبطل نفل السرية الأولى لأن الحق في المصاب لهم خاصة والنفل العام في مثله باطل. كما لو كانوا بعثوا من دار الإسلام وجاز نفل السرية الثانية لأنهم بمنزلة سرية مبعوثة من جيش في دار الحرب وقد نفل لهم أميرهم فيعطيهم النفل من المصاب أولاً ثم يقسم الباقي بينهم وبين جميع أهل السرية على قسمة الغنيمة. ولو بعث الإمام من المعسكر سرية ونفل لهم الربع قبل الخمس فهو تنفيل صحيح في جميع ما أصابوا من ذهب أو فضة أو رقيق أو متاع لأنه سمى لهم بلفظ عام. فإن خص شيئاً فهو على ما خص لأن الوجوب لهم بالتسمية فيراعى صفة التسمية. فإن جاءت السرية بغنائم فيها رجال ونساء وصبيان فأعتق واحد من أهل السرية بعض السبي فعتقه باطل لأن الاستحقاق لهم بطريق الاغتنام كاستحقاق أصل الغنيمة للجيش. فكما أن هناك الملك لا يثبت قبل القسمة حتى لا ينفذ العتق من بعض الغانمين في شيء من الغنيمة فكذلك هاهنا. فإن قيل: لا كذلك بل الاستحقاق للنفل بالتسمية. وقد صحت من الإمام فينبغي أن يثبت له الملك بنفس الإصابة. قلنا: تسمية الإمام لقطع شركة الجيش معهم في مقدار ما نفل لهم لا لإثبات الاستحقاق وإنما يستحقون بعد هذه التسمية بالإصابة. فإن قيل: أليس قد قلتم لا يفضل في هذا الفارس على الراجل ولو كان الاستحقاق بالإصابة لثبت التفضيل. قلنا: الإمام بهذه التسمية كما قطع شركة الجيش معهم قطع حق الفارس في التفضيل لضرورة أنه سوى بينهم في النفل. ثم من ضرورة انقطاع الشركة للغير واختصاصهم في النفل أن يتأكد حقهم فيه وليس من ضرورة ثبوت الملك لهم قبل القسمة فيكون المنفل في حقهم بمنزلة الغنائم المحرزة بدار الإسلام. ولو أن الجيش بعد إحراز الغنائم بدار الإسلام أعتق واحد منهم بعض السبي لم ينفذ عتقه فكذلك هاهنا وكان المعنى فيه أنه لايدري أين يقع نصيبه منها بالقسمة وأن للإمام أن يبيع الغنائم ويقسم الثمن بينهم. وأن له أن يقتل الرجال من السبي. فهذا موجود في النفل قبل الإحراز أيضاً. ثم خرج المسائل على هذا فقال: ولو كان في السبي قريب لبعض أهل السرية لم يعتق عليه بالقرابة لأنه لم يملكه قبل القسمة. ولو أراد الإمام أن يقتل الرجال فليس لأصحاب السرية أن يمنعوه من ذلك لأجل نفهلم. كما لا يكون للجيش ذلك في الغنائم المحرزة بدار الإسلام. ولو ظهر المشركون على الغنيمة التي جاءت بها السرية فأحرزوها ثم إن المسلمين قاتلوهم حتى استنقذوا ذلك من أيديهم ردوا النفل إلى أهله لأن حقهم تأكد في المنفل وهو بمنزلة الغنائم المحرزة بدار الإسلام إذا استولى عليها المشركون فأحرزوها ثم استنقذها منهم جيش آخر فهناك الرواية واحدة. أن الأولين إن ظفروا بما قبل القسمة أخذوها بغير شيء لأن حقهم تأكد فيها بالإحراز والحق المتأكد في الحكم بمنزلة الملك. ألا ترى أن المرهون إذا أحرزه المشركون ثم وقع في الغنيمة فإنه يكون للمرتهن أن يأخذه قبل القسمة بغير شيء لما له فيه من الحق المتأكد. واختلفت الرواية فيما إذا وجدوها بعد القسمة فذكر هنا: أنهم يأخذونها بالقيمة إن شاءوا على قياس المرهون فإن المرتهن إذا وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة لما له من الحق المتأكد فيه وذكر بعد هذا: أنهم لا يأخذونها بعد القسمة وهو الأصح لأن الحق للجيش الأول إنما تأكد في المالية دون العين. ألا ترى أن للإمام أن يبيع الغنائم ويقسم الثمن بينهم فلا يكون الأخذ بالقيمة مفيداً لهم شيئاً بخلاف الأخذ قبل القسمة. ولصاحبه أن يأخذه قبل القسمة. وهو بمنزلة ما لو أحرز الكفار شيئاً من ذوات الأمثال لبعض المسلمين ثم وقع في الغنيمة فلصاحبه أن يأخذه قبل القسمة بغير شيء وليس له حق الأخذ بعد القسمة لأنه لو أخذه أخذه بالمثل فلا يكون مفيداً بخلاف المرهون فإن حق المرتهن في حبس العين ثابت فيكون الأخذ مفيداً في حقه. وإذا ثبت هذا في الغنائم المحرزة فكذلك الحكم في المنفل قبل الإحراز فإنهم أحق به قبل القسمة بغير شيء وبعد القسمة فيه روايتان. وهذا بخلاف الغنيمة التي لا نفل فيها قبل الإحراز فإنه إذا ظهر عليها العدو وأحرزوها ثم استنقذها منهم جيش آخر فلا سبيل للجيش الأول عليها قبل القسمة وبعد القسمة. لأن الثابت لهم كان حقاً ضعيفاً. ألا ترى أن من مات منهم لم يورث نصيبه بخلاف ما بعد الإحراز. وكذلك لو لحقهم مدد شاركوهم في ذلك بخلاف ما بعد الإحراز. والحق الضعيف يبطل إحراز المشركين المال بدارهم فكأنها ما أخذت منهم حتى الآن. وأما في المنفل فالحق متأكد لهم قبل الإحراز حتى أن من مات منهم يورث نصيبه ولا يشركهم المدد في ذلك إذا لحقوهم. فلهذا وجب الرد عليهم قبل القسمة. ولو قسمت الغنائم في دار الحرب أو بيعت ولم يقسم الثمن بعد القبض من المشتري حتى ظهر المشركون على الغنائم وعلى الثمن فأحرزوها ثم استنقذها منهم عسكر آخر فإنهم يردون الغنائم على المشتري قبل القسمة بغير شيء وبعد القسمة بالقيمة لأن المشتري ملك العين بالشراء فيردون الثمن على الفريق الأول كما يردون هذا الجيش من أموال سائر الناس. لأن بيع الإمام حين نفذ موجب الملك للمشتري في المبيع فهو موجب الملك في الثمن لمن وقع البيع لهم أيضاً. ولو أن السرية لما جاءت بالغنائم ولهم فيها النفل استهلك رجل من أهل العسكر جميع تلك الغنائم. فهو ضامن لحصة النفل خاصة إلا من قتل من الرجال فإنه لا ضمان في ذلك لأن النفل بمنزلة الغنائم المحرزة. ولو أن واحداً من الغانمين استهلك الغنائم قبل الإحراز لم يضمن شيئاً لضعف حقهم فيها ولو استهلك بعد الإحراز بالدار كان ضامناً لتأكد الحق فيها بالإحراز إلا من قتل من الرجال فإنه لا يكون ضامناً لها لأن الحق في الرجال لا يتأكد بالإحراز ما لم يضرب عليهم الإمام الرق. ألا ترى أن له أن لا يقتلهم وأن يمن عليهم فيجعلهم ذمة فكذلك هذا الحكم في المنفل قبل الإحراز. ولو أن السرية جاءت بغنائم فيها طعام وعلف فلأهل العسكر أن يأكلوا ذلك بقدر حاجتهم لأنهم شركاء للسرية فيها بسهامهم. فكما أن لكل واحد من أهل السرية أن يتناول فيها مقدار حاجته فكذلك لأهل العسكر أن يتناولوا لأن الشركة تقتضي المساواة. فإن قيل: فأين ذهب قولكم أن المنفل بمنزلة الغنائم المحرزة. فإن بعد الإحراز بالدار ليس لواحد من الغانمين أن يتناول من الطعام والعلف من غير ضرورة ولا ضمان. فكان ينبغي أن يكون الجواب في المنفل قبل الإحراز كذلك. قلنا: إنما افترقا في هذا الحكم لأن إباحة التناول من الطعام والعلف قبل الإحراز باعتبار أنه يصير مستثنى من شركة الغنيمة لضرورة الحاجة لكل واحد منهم إلى ذلك فإنهم لا يقدرون على أن يستصحبوا من دار الإسلام ما يحتاجون إليه من الطعام والعلف للذهاب والرجوع ولا يجدون ذلك في دار الحرب شراء. وما يأخذونه يكون غنيمة. وهذه الضرورة لا تتحقق في دار الإسلام فإذا صار مستثنى من الشركة باعتبار هذه الضرورة. بقي على أصل الإباحة بمنزلة شراء كل واحد من المتفاوضين الطعام والكسوة لنفسه وعياله فإنه يصير مستثنى من موجب المفاوضة لضرورة الحاجة إليه ثم هذه الضرورة تتحقق في الغنائم التي فيها نفل في دار الحرب كما تحقق في الغنائم التي لا نفل فيها فيصير مستثنى من فإن قيل: لا كذلك فإنهم إذا قسموا في دار الحرب أو في دار الإسلام أعطوهم النفل من الطعام والعلف كما أعطوهم من سائر الأموال ولو صار هذا مستثنى من التنفيل لما استحق النفل منه. قلنا: هذا الاستثناء باعتبار الضرورة والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة. ألا ترى أن الغنيمة التي لا نفل فيها إذا قسمت بين الغانمين فالطعام وغير الطعام في ذلك سواء ولم يدل ذلك على أن قبل القسمة لم تكن باقية على أصل الإباحة فكذلك حكم المنفل. ولهذا لا يباح التناول من الطعام والعلف للتجار الذين لا يقاتلون لأن ثبوت هذه الأشياء باعتبار الضرورة. وإنما يتحقق في حق الغزاة الذين لهم شركة في القسمة دون التجار. ولو تناول التجار شيئاً من ذلك أو علفوا دوابهم لم يغرموا شيئاً لأن باعتبار الاستثناء الذي قلنا لا يتأكد الحق فيها ما داموا في دار الحرب فمن استهلك شيئاً منها لم يكن ضامناً المنفل وغير المنفل فيه سواء بمنزلة قتل الرجال على ما قررنا. قال: ولو أن السرية أصابوا أراضٍ بما فيها. فلهم النفل من ذلك كله لتعميم التنفيل من الإمام. فإن رأى الإمام أن يمن بها على أهلها ويجعلهم ذمة فلا بأس بذلك لأنه نصب ناظراً فربما رأى النظر في ذلك. وليس لأصحاب النفل أن يأبوا ذلك عليه لأن حقهم في النفل كحق الغانمين في الغنائم المحرزة. وللإمام ولاية المن هناك فكذلك هنا. إلا أنه ينبغي له أن يسترضيهم بأن يعطيهم عوضاً من محل آخر واستدل عليه بفعل عمر رضي الله عنه فإنه حين بعث الناس إلى العراق قال لجرير بن عبد الله البجلي: لك ولقومك ربع ما غلبتم عليه ففتحوا السواد. ثم جعل عمر رضي الله عنه الأرض بعد ذلك أرض خراج. ولم يمنعه ما نفل جريراً وقومه من ذلك قال: وبلغنا أن امرأة أتته فقالت: إن ذا قرابة لي مات من الغزاة فترك نصيبه من ذلك ميراثاً ولست أسلم ما صنعت إلا أن تعطيني دنانير فأعطاها كفاً من دنانير. وفي المغازي يروى هذا الحديث أنها قالت: لست أرضى حتى تملأ كفي ذهباً وتحملني على ناقة حمراء. ففعل ذلك عمر رضي الله عنه. فهذا دليل على أن من مات بعد الإحراز يورث نصيبه. وأنه ينبغي للإمام أن يسترضي أصحاب النفل بأن يعطيهم شيئاً إذا أراد المن على أهل الأراضي بها. والله أعلم.
وإذا بعث الخليفة عسكراً إلى دار الحرب وعليهم أمير فبعث أميرهم سرية ونفل لها الربع. ثم بعث الخليفة عسكراً آخر من ناحية أخرى فلقوا السرية بعدما غنمت الغنائم ثم لحقوا جميعاً بالمعسكر الأول وأخرجوا الغنائم إلى دار الإسلام فالنفل سالم للسرية من جميع ما أصابوا على ما سمى أميرهم لهم لأن أمير ذلك العسكر مبعوث الخليفة. فهو فيما ينفل كالخليفة ينفذ تنفيله في حق العسكرين وجماعة المسلمين. بخلاف ما سبق من نفل أمير السرية لمن بعثه من سريته. لأن ولايته هناك مقصورة على أهل سريته. ألا ترى أنه بعد الرجوع إلى المعسكر هو كسائر الرعايا وهاهنا لأمير العسكر ولاية كاملة باعتبار تقليد الخليفة إياه. فينفذ تنفيله في حق الكل ثم ما يبقى بعد النفل والخمس يشترك فيه أهل العسكريين والسرية على سهام الغنيمة لأنهم اشتركوا في إحراز ذلك بدار الإسلام. ولو أن السرية والعسكرين لقوهم خرجوا إلى دار الإسلام قبل أن يلقوا العسكر الأول فللسرية أيضاً نفلها لأن نفلهم قائم مقام الخليفة في التنفيل لهم فيستحقون النفل بتسميته لهم. سواء رجعوا إليه في دار الحرب أو لم يرجعوا ثم الباقي بينهم وبين العسكر الثاني دون العسكر الأول لأنهم هم الذين أحرزوه. ولو لم تلق السرية واحداً من العسكرين حتى خرجت إلى دار الإسلام فقد بطل نفلهم لأنهم هم المختصون بالإحراز. وثبوت الحق في المصاب هنا. والنفل العام في مثل هذا يكون باطلاً بمنزلة السرية المبعوثة من دار الإسلام. ولو أن الإمام قال للسرية المبعوثة من دار الإسلام: من أصاب منكم شيئاً فهو له دون أصحابه. كان هذا جائزاً بخلاف ما إذا قال: لكم الربع لأن التنفيل قطع شركة غير المصيب مع المصيب وذلك جائز فيبطل فيه الخمس. ويفضل الفارس على الراجل أيضاً تبعاً ومثل هذا لا يوجد فيما إذا نفل لهم الربع. أرأيت لو قال لهم: من دخل منكم فارساً فأصاب فهو له. أما كان يصح هذا التنفيل وفيه تحريضهم على التزام مؤنة الفرس ولو قال لهم: ما أصبتم فلو صح هذا التنفيل كان فيه تقليل نشاطهم في التزام مؤنة الفرس لأنهم إذا علموا أنه لا يزداد نصيبهم بالتزام مؤنة الفرس فقل ما يرغبون في ذلك فبهذا وقع الفرق بينهما. ولو أن العسكر الثاني لحقوا السرية المبعوثة في دار الحرب قبل أن يصيبوا شيئاً ثم قاتلوا جميعاً فأصابوا غنائم ثم لحقوا بالعسكر الأول وخرجوا فالغنائم تقسم بين السرية والعسكر الذين لحقوهم على قسمة الغنيمة كأنه لا نفل فيها ثم ينظر إلى حصة السرية فيخرج نفلهم من ذلك لأن أميرهم إنما نفل لهم الربع مما أصابوهم دون ما أصابه عسكر آخر ولا يتبين مصابهم إلا بالقسمة فلا بد من هذه القسمة ليتبين محل حقهم فيعطون النفل بعد ذلك. ثم يجمع ما بقي إلى ما أصاب أهل العسكر فيقسم بين السرية والعسكرين على قسمة الغنيمة لأنهم اشتركوا في الإحراز. ولو لم يلقوا العسكر الأول حتى خرجوا قسم بينهم أولاً ليتبين حصة السرية ثم يعطون نفلهم من ذلك لأن تنفيل الأمير لهم صح مطلقاً. ثم يجمع ما بقي إلى حصة العسكر فيقسم بينهم على سهام الغنيمة لا شيء فيه لأهل العسكر الأول لأنه لم يشاركوهم في الإحراز. ولو أن أمير العسكر في دار الحرب بعث سرية وقال: ما أصبتم فهو لكم فهذا جائز لأن المقصود قطع شركة الجيش معهم في المصاب إذا رجعوا إليهم بخلاف السرية المبعوثة من دار الإسلام. فإن افتتحوا حصناً متاخمة لدار الإسلام ثم لحقهم أهل العسكر بعد ذلك فجميع ما أصابوا لهم دون أهل العسكر لأن الإمام قطع شركة أهل العسكر معهم بتنفيل صحيح. لكن لو أعتق رجل منهم نصيبه من الرقيق أو كان فيهم ذات رحم محرم من بعضهم لم تعتق لأنها لم تصر مملوكة لهم بالإصابة قبل القسمة. وإن انقطعت شركة الغير معهم بمنزلة الغنائم المحرزة بالدار قبل القسمة. ألا ترى أن الإمام لو رأى أن يجعلهم ذمة أو رأى أن يقتل الرجل كان له ذلك. قال: والنفل بمنزلة رضخ لهم من الغنيمة فإذا كان سهام الغنيمين لا يمنعه من هذا فالرضخ كيف يمنعه ولو كان قال لهم: من أصاب منكم شيئاً فهو له ثم أعتق رجل منهم أسيراً قد أصابه فإنه ينفذ عتقه ولو أصاب ذا رحم محرم منه عتق عليه لأنه اختص بملكه هنا بنفس الإصابة وهذا لأنه ليس هنا أمر آخر منتظر لوقوع الملك سوى الإصابة حتى يتوقف الملك عليه بخلاف الأول فإن هناك أمراً آخر منتظراً وهو القسمة بينهم فلا يثبت الملك قبل وجودها. وفي هذا الفصل ليس للأمير أن يقتل أحداً من رجال الأسراء لأن الملك ثبت فيه للمصيب بنفس الإصابة. فكأن الإمام ضرب عليه الرق. وكذلك من استهلك شيئاً على المصيب في هذا الموضع غرم له. وليس لغير المصيب من أهل العسكر ولا من أهل السرية أن يرد أشياء من الطعام والعلف بخلاف الأول وهذا لأن هذا التنفيل من الإمام بمنزلة القسمة بعد الإصابة في دار الحرب ولو قسم بينهم ثبت هذه في الأحكام فيما أصاب كل واحد منهم وكذلك إذا نفل لكل واحد منهم ما أصابه خاصة بخلاف ما سبق فإن قوله ما أصبتم فلكم قطع لشركة الجيش. فليس فيه معنى القسمة بينهم والملك في المصاب لا يثبت إلا بالقسمة. ولو قال: للسرية المبعوثة في دار الحرب: من أصاب منكم أسيراً فهو له فأصابوا جميعاً أسيراً واحداً فهو لهم لأن من اسم مبهم فهو عام فيما يتناوله. فكما يتناوله الفرد منهم يتناول جماعتهم بمنزلة قول الرجل لعبيده: من شاء منكم العتق فهو حر. فشاءوا عتقوا بخلاف قول أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا قال: من شئت عتقه من عبيدي لأنه أضاف المشيئة هناك إلى من لم يتناوله من وهاهنا أضاف الإصابة إلى من تناوله من. وإذا ثبت الاستحقاق لهم بالإصابة صار الأسير مملوكاً لهم. حتى إذا كانوا قريباً لبعضهم عتق حصته منه. ولو أعتقه أحدهم عتق حصته لأن الإمام حين خص المصيب بالمصاب فلذلك منه بمنزلة القسمة بعد الإصابة لا فرق بين أن يصيب الأسير جماعة وبين أن يصيب الواحد في ثبوت الملك به فكذلك في الغنيمة قبل الإصابة. ولو كان قال لهم: ما أصبتم فهو لكم والمسألة بحالها لم يعتق الأسير بأعتاق أحدهم إياه ولا بقرابته منه لأن هذا التنفيل ليس في معنى القسمة من الإمام. ألا ترى أن المصيب لا يختص بالمصاب ولكن ما يصيب الواحد منهم يكون بين جماعتهم وبدون القسمة وما في معناها لا يثبت الملك بنفس الإصابة. يوضح الفرق أن في كل موضع يختص المصيب بالمصاب على وجه لا يشاركه فيه غيره فتلك الإصابة في معنى الاصطياد. فكما أن الملك في الصيد يثبت بنفس الإصابة للواحد كان أو للجماعة فكذلك الملك يثبت للسرية بمثل هذه الإصابة وفي كل موضع لا يختص المصيب بالمصاب ولكن يشاركه فيه أصحابه. فتلك الإصابة في معنى إصابة الغنيمة. ومجرد الأخذ في الغنيمة لا يوجب الملك قبل القسمة فكذلك ما يكون في معناه. ولو بعث الأمير في دار الحرب ثلاثة طليعة ونفل لهم الربع مما يثيبون فأصابوا أسيراً ثم أعتقه أحدهم أو كان قريباً منه لم يعتق لأن أهل العسكر وأرباب الخمس شركاؤهم في المصاب فلا يثبت الملك لهم قبل القسمة قلوا أو كثروا. ألا ترى أن للإمام ولاية البيع وقسمة الثمن وأن نصيبهم لا يدرى أن يقع بالقسمة. ولو كان قال لهم: لكم ما أصبتم والمسألة بحالها عتق المصاب بإعتاق أحدهم أو بقرابته منه استحساناً وفي القياس لا يعتق لأن بهذا التنفيل لا يختص المصيب بالمصاب ولكن يشاركه فيه أصحابه فلا يثبت الملك لهم قبل القسمة. بمنزلة أهل السرية على ما بينا. وفي الاستحسان نقول: قد ثبت الاختصاص لهم بالمصاب بسبب تنفيل الإمام. وقد بينا أن هذا وإن كان من الإمام قبل الإصابة فهو في المعنى كالموجود بعد الإصابة فيكون بمنزلة القسمة يثبت لهم الملك حتى ينفذ العتق فيه من بعضهم. وهو نظير ما لو قسم الإمام الغنيمة على الرايات بين العرفاء ثم أعتق واحد منهم من أهل رأية عبداً مما أصاب أهل تلك الراية. قبل أن يقسم العريف بينهم فإنه ينفذ عتقه. والمعنى في الكل أن الشركاء متى قلوا فالشركة بينهم تكون شركة خاصة وهي لا تمنع الملك لهم في المشترك بمنزلة الشركة بين الورثة في الميراث. وعند الكثرة الشركة عامة فيمنع ذلك ثبوت الملك. بمنزلة شركة المسلمين في بيت المال وشركة الغانمين في الغنيمة. فإن قيل: فما الحد الفاصل بين القليل والكثير في ذلك قلنا: قد ذكر في ذلك وجوهاً كلها محتملة. أحدها: أنهم إذا كانوا أقل من تسعة جاز عتقهم وإن كانوا تسعة فصاعداً لم يجز لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث تسعة سرية لأن الجمع في حد الكثرة والقلة جمع متفق عليه. فالتسعة تكون جمع الجمع. والثاني: أنهم إذا كانوا أقل من أربعين جاز عتقهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أظهر الدعاء إلى الدين بمكة حين تموا أربعين بإسلام عمر رضي الله عنه فتبين بهذا أن الأربعين أهل عزة ومنعة. فقد كان دعاء رسول الله عليه السلام فقال: " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك ". والعزة والمنعة إنما تحصل بالعدد الكثير من المسلمين. والثالث: أنهم إن كانوا أقل من مائة جاز عتقهم لأن الله تعالى يقول: اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} فكل هذا محتمل إن قال به قائل وسعه اجتهاد الرأي فيه وأما أنا فلست أوقت في ذلك وقتاً ولكني أقول: إن كانوا قوماً لا منعة لهم جاز العتق وإلا فلا لأن نصب المقادير بالرأي لا يكون وليس في هذا نص والمنعة تختلف باختلاف أحوال الناس فالسبيل أن يفوض إلى رأي الإمام ليحكم برأيه فيه. هذا هو الأقرب إلى معاني الفقه. وهذا نظير ما بينا في كتاب الشفعة في الفرق بين الشركة الخاصة في النهر والشركة العامة في استحقاق الشفعة. فكل فصل ذكرناه ثمة فإنه يستقيم القول به هنا ثم في كل فصل ذكرنا أنه ينفذ العتق فإنه ليس للإمام أن يقتل الرجال من الأسراء. لأنهم قد ملكوا فصار ذلك بمنزلة الغنيمة المقسومة وكذلك بعد القسمة بين العرفاء ليس للإمام أن يقتل أحداً من الرجال وهذا أظهر لأن الملك هنا يثبت بالقسمة الأولى وهي قسمة الجمل. وإن لم توجد القسمة بين الأفراد بعد. وإن كان العدد القليل بعثهم الإمام من دار الإسلام فأصابوا غنائم ثم أعتق بعضهم الرقيق فعتقه باطل في القياس لأن المصاب هنا غنيمة. ألا ترى أنهم لو لحقهم المدد في دار الحرب شاركوهم فلا يثبت الملك لهم قبل القسمة. ولا أرباب الخمس شركاؤهم والإمام رأى باعتبار ذلك فلا يدرى أين يقع نصيب من أعتق عند القسمة فينبغي أن لا ينفذ عتقه. وفي الاستحسان: ينفذ عتقه لأن الشركة بينهم شركة خاصة لقلة عددهم. وقد تأكد حقهم بالإحراز حسب ما يتأكد حق الطليعة المبعوثة في دار الحرب بالإصابة بعد تنفيل الإمام. فكما أن هناك ينفذ العتق فكذلك هاهنا ينفذ. ألا ترى أن المبعوث لو كان رجلاً واحداً فأعتق السبي أو كانوا أقرباءه بعد الإحراز لم يشكل أنه ينفذ عتقه. وإن كان لو أعتقهم في دار الحرب لم ينفذ عتقه لأن الحق لم يتأكد فيهم قبل الإحراز. ثم بعد نفوذ العتق إن كان المبعوث رجلاً واحداً فهو ضامن الخمس لأرباب الخمس إن كان موسراً. وكذلك إن كانوا نفراً فهو ضامن نصيب أصحابه ممن أعتقه. وإن كان معسراً سعى الرقيق في حصة أصحابه كما هو الحكم في عتق العبد المشترك. وأما في حصة الخمس فينبغي للإمام أن لا يستسعيهم لأن الخمس للمحتاجين ولا حاجة أظهر من حاجة المعتقين فإنهم لا يملكون شيئاً حتى يلزمهم السعاية. فلهذا ينبغي للإمام أن لا يسلم حصة الخمس لهم. وعلى هذا الوجه لو جاءوا برجال فليس للإمام أن يقتلهم بعد الإحراز لأن الشركة في المصاب خاصة بين العدد القليل. وقد تأكد حقهم بالإحراز. وله أن يقتلهم قبل الإحراز لأن الحق لم يتأكد بالإصابة قبل الإحراز والمصاب غنيمة على الإطلاق.
|