الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
وإن أحرز في أرض الحرب مسلم غصب من مسلم عبداً ثم ارتد وأحرزه بدار الحرب معه ثم ظهر المسلمون على المرتد فقتلوه وأخذوا ما معه فالعبد مردود على المغصوب منه قبل القسمة وبعد القسمة بغير شيء لأن الآخذ كان ضامناً له ولا يخرجه من ضمانه إحرازه فإذا لم يبرأ من ضمانه لم يكن محرزاً له ومعنى هذا الكلام من وجهين. أحدهما: أن ضمان الغصب يوجب الملك له عند تقرره عليه وفيما انعقد له بسبب الملك لا يكون مستولياً عليه متملكاً له على غيره بطريق القهر. والثاني: أن رد العين قد لزمه بحكم الغصب على وجه إذا تعذر يخلفه ضمان القيمة فيه. ثم بالردة واللحوق بدار الحرب لا يسقط عنه ما لزمه من ضمان الرد ولا ما هو خلف عنه في ضمان القيمة لأن ذلك واجب في ذمته والإحراز بدار الحرب لا يتحقق فيما في ذمته. فإذا أخذه المولى بعد القسمة بغير شيء يعوض الذي وقع في سهمه قيمته من بيت المال لاستحقاق نصيبه وكذلك لو كان ارتد قبل الغصب والمسألة بحالها لأنه ما دام في دار الإسلام فهو مخاطب بحكم الإسلام بمنزلة المسلم فيكون ملتزماً ضمانه بالغصب. والمرأة إن كانت هي التي اغتصبت ثم ارتدت في هذا الحكم كالرجل والذمي إذا نقض العهد بعد الغصب أو قبله في هذا الحكم كالمسلم لأنه ملتزم للضمان وإنما أورده هنا لأن الذمي الناقض للعهد يكون فيئاً والمرتدة بعد اللحاق بدار الحرب كذلك ومع ذلك المغصوب يكون مردوداً على المالك لأنهما حين أحرزاه لم يتملكا المغصوب لكونهما ضامنين له فإذا بقي على ملك المسلم حتى ظهر عليه المسلمون كان مردوداً على صاحبه وإن كان من في يده فيئاً. ولو كان المرتد اللاحق بدار الحرب أو الذمي الناقض للعهد خرج من دار الحرب فغصب مالاً من مسلم أو ذمي فأدخله دار الحرب ثم وقع الظهور على ما معه فذلك فيء لأنه صار من أهل الحرب حين التحق بهم مرتداً أو ناقضاً للعهد وغصب الحربي مال المسلم لا يكون موجباً للضمان عليه كما أن استهلاكه مال المسلم لا يوجب الضمان عليه بخلاف ما تقدم فهناك حين غصب كان هو من أهل دار الإسلام لو استهلك المال كان هو ضامناً له فكذلك إذا غصبه وإذا لم يكن ضامناً مطالباً بالرد يتم إحرازه له فيصير مالكاً ثم ظهور المسلمين على مال الحربي سبب لكون المال غنيمة فإن وجده صاحبه قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة. لأنه بمنزلة ما لو كان المحرز غيره من أهل الحرب ألا ترى أنه لو أسلم في هذا الفصل كان المال سالماً له وفي الفصل الأول لو أسلم كان مأموراً برده على صاحبه وهنا على قياس الاستهلاك أيضاً فإنه لو استهلكه بعدما صار حربياً ثم أسلم لم يكن عليه ضمانه ولو استهلكه قبل أن يصير حربياً ثم أسلم فهو ضامن لصاحبه وكذلك لو أن حربياً دخل إلينا بأمان فاغتصب مسلماً أو معاهداً مالاً فأدخله في دار الحرب ثم أسلم كان عليه أن يرده ولو وقع في الغنيمة كان مردوداً على صاحبه قبل القسمة وبعدها بغير شيء. بخلاف ما إذا خرج الحربي مغيراً لا مستأمناً لأنه إذا كان مستأمناً فهو ضامن للمغصوب بالأخذ كما يكون ضامناً لو استهلكه فلا يتم إحرازه فيه ولو خرج مغيراً لم يكن ضامناً لما أخذه لأنه لو استهلكه لم يكن ضامناً له فيتم إحرازه فيه. ولو أن الغاصب الذي هو ضامن لما دخل دار الحرب ومعه المغصوب غصبه منه غريه فاختصما فيه إلى سلطانهم فمنع السلطان الغاصب الأول أن يعرض للغاصب الآخر فيه ثم أسلم أهل الدار فذلك المال للغاصب الآخر لا سبيل لأحد عليه لأن إحرازه له قد تم حساً باعتبار أنه غلبه وحكماً بقوة سلطانهم حين قصر يد الغاصب الأول عن استرداده فصار هو مالكاً له لأنه حربي حين أخذه فلا يكون ضامناً بالغصب كما لا يكون ضامناً بالاستهلاك ولأنه لو أخذه من يد المالك بهذه الصفة يصير متملكاً بالإحراز بالدار وبقوة سلطانهم فكذلك إذا أخذه من يد الغاصب من المالك ثم الغاصب الأول يضمن قيمته لصاحبه لأنه تعذر عليه رد العين بعدما لزمه ذلك وضمان القيمة خلف عن رد العين عند تعذره. ولو ظهر المسلمون على الدار فإن صاحبه يأخذه قبل القسمة بغير شيء وبعدها بالقيمة إن شاء لأن هذا المال صار غنيمة كسائر الأموال التي أخذت من الغاصب الثاني والحكم فيما صار غنيمة مما كان أصل الملك فيه لمسلم ما بينا. ولو أن مسلمين مستأمنين أو أسيرين في دار الحرب اغتصب أحدهما صاحبه شيئاً ثم ارتد الغاصب ومنع المغصوب وتابعه على ذلك سلطان تلك البلاد ثم أسلموا جميعاً بعد ذلك فعلى الغاصب رد المغصوب على صاحبه ولو ظهر المسلمون على الدار فهو مردود على صاحبه قبل القسمة وبعدها بغير شيء لأن الغاصب ضامن لما أخذه ها هنا أما في المستأمنين فغير مشكل لأن أحدهما لو استهلك مال صاحبه كان ضامناً كما لو قتله فكذلك بالغصب يصير ضامناً وأما في الأسيرين فمن أصحابنا من يقول: هذا الجواب قول محمد رحمة الله عليه لأن عنده الأسير كالمستأمن في حكم ضمان نفسه إذا قتله مسلم فكذلك في حكم ضمان ماله فأما عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لو قتل أحد الأسيرين صاحبه لم يضمن شيئاً من بدل نفسه فكذلك إذا غصب ماله لا يكون ضامناً له قال رضي الله تعالى عنه: والأصح أن هذا قولهم جميعاً لأن المسلم معتقد حكم الإسلام حيثما يكون فهو بهذا الاعتقاد يكون مستوجباً رد العين وضمان القيمة عند تعذر رد العين خلف عن رد العين في محل معصوم متقوم وبالأسر لا يخرج ماله من أن يكون متقوماً وهذا لأن المسلم وإن كان أسيراً فهو من أهل دار الإسلام ألا ترى أن زوجته التي في دار الإسلام لا تبين منه فيكون الإحراز في ماله باقياً حكماً باعتبار يده فلهذا كان الغاصب ضامناً له ومع كونه ضامناً لا يتم إحرازه. ولو كانا أسما في دار الحرب والمسألة بحالها فإن أسلم أهل الدار قبل أن يظهر المسلمون عليهم رد المغصوب على المغصوب منه لما بينا أنه بنفس الإسلام صار ملتزماً أحكام الإسلام ومن حكم الإسلام رد المغصوب على المغصوب منه على ما قال صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترد وبعد ما وجب عليه رد العين لا يتم إحرازه له وإن ارتد وصار غالباً بقوة سلطانهم فإن لم يسلموا حتى ظهر عليهم المسلمون فالغاصب فيء لمن أصابه لأنه ما أحرز نفسه بدار الإسلام فلا يكون معصوماً من الاسترقاق بعد ما صار حربياً بالردة. بخلاف ما لو ارتد في دار الإسلام ولحق بدار الحرب لأن هناك حربيته كانت متأكدة بالإحراز بالدار فلا يحتمل الانتقاض بعد ذلك بحال. ولا سبيل للمغصوب منه على المال قبل القسمة ولا بعدها لأن بمجرد إسلامه لم يصر ماله محرزاً بالدار حقيقة ولا حكماً إلا أنه إذا وقع الظهور على الدار والمال في يده فيكون هو أحق به لسبق إحرازه باعتبار يده وهذا لا يوجد فيما غصبه منه غيره ممن صار حربياً لأن ذلك المال ليس في يده حقيقة ولا حكماً فيكون غنيمة للمسلمين لا سبيل له عليه ومن أصحابنا من يقولك موضوع هذه المسألة فيما إذا كان الغاصب حربياً حين غصبه فأما إذا كان مسلماً ثم ارتد كما وضع عليه المسألة الأولى فلا يكون الجواب كذلك ألا ترى أنه قال: الغاصب فيء لمن أصابه ولم يقل: إنه يجبر على الإسلام ولو كان مراده أن يكون مسلماً حين يغصبه ثم يرتد لكان مجبراً على الإسلام فإما أن يقال: هذا غلط وقع من الكاتب أو وضع في المسلمين في الابتداء ثم ذهب وهمه إلى أنه وضع في حربي يغصب من المسلم أسلم في دار الحرب فأجاب بما قال: وهذا لأن الحرية تتأكد بنفس الإسلام على وجه لا يحتمل الانتقاض بعد ذلك بوجه من الوجوه فيقتل الغاصب إن لم يسلم فأما أن يجعل فيئاً فلا. ولو استودع مسلم مسلماً شيئاً وأذن له إن غاب أن يخرجه معه فارتد المودع ولحق بدار الحرب فلحقه صاحبه وطلبه منه فمنعه واختصما فيه إلى سلطان تلك البلاد فقصر يد المسلم عنه ثم أسلم أهل الدار فالوديعة للمودع لا سبيل لصاحبها عليها لأنه ما كان ضامناً لها في دار الإسلام وحين منعها في دار الحرب كان هو حربياً لو استهلكها لم يضمن فذلك إذا منعها ولأنه بهذا المنع يصير في حكم الغاصب فكأنه غصبه منه الآن ابتداء فيتم إحرازه بقوة السلطان. فإن أسلم بعد ذلك كان سالماً له ولو وقع في الغنيمة رد على صاحبه قبل القسمة بغير شيء وبعدها بالقيمة ولو كان غصبه في دار الإسلام والمسألة بحالها فإنه مردود على المغصوب منه على كل حال لأنه كان ضامناً له في دار الإسلام فلا يصير ضامناً بالمنع بعد الطلب في دار الحرب إذ الغصب بعد الغصب لا يتحقق مع بقاء الأول فيجعل وجود هذا المنع كعدمه. وإن كان حين طلبه في دار الحرب من الغاصب أعطاه إياه ثم وثب فأخذ منه ثانية وقصر السلطان يد المغصوب منه عن الاسترداد ثم أسلم أهل الدار فهو سالم للغاصب لأن حكم الغصب الأول قد انتهى بالرد على صاحبه ويسقط عنه ما كان لزمه من رد العين فيكون أخذه الآن غصباً ابتداء وذلك غير موجب للضمان عليه لأنه حربي في هذه الحالة فيصير محرزاً له بهذا الغصب حين منعه السلطان منه. وكذلك لو لم يكن الغاصب رده ولكن المغصوب منه قدر عليه فأخذه ثم خاصمه فيه الغاصب فرده عليه سلطان أهل الحرب لأنه أخذه منه فهذا والأول سواء لأن الغاصب برئ من ضمانه حين أخذه المغصوب منه من يده فالتحق هذا المال بمال آخر أدخله مع نفسه فإذا غلب عليه الغاصب قوة السلطان يصير محرزاً له ولو أن رجلين أسلما في دار الحرب ثم غصب أحدهما صاحبه شيئاً وجحده فاختصما إلى سلطان تلك البلاد فسلمه للغاصب لكونه في يده ثم أسلم أهل الدار والرجلان مسلمان على حالهما. فالمغصوب مردود على المغصوب منه لأن رد العين مستحق على الغاصب بحكم اعتقاده فإسلام أهل الدار لا يزيده إلا وكادة وبقوة سلطان أهل الحرب المسلم لا يصير محرزاً مال المسلم ولا متملكاً لأنهما لو كانا في دار الإسلام لم يكن هو متملكاً بحكم سلطان المسلمين فكيف يصير متملكاً بحكم سلطان أهل الحرب. وإن لم يسلموا حتى ظهر المسلمون على الدار فالمغصوب فيء لمن أصابه ولا سبيل عليه للمغصوب منه وإن أقام البينة لأن الغاصب لا يكون محرزاً لهذا المال أبداً والمغصوب منه إنما يكون محرزاً باعتبار يده ولهذا قلنا: إنه لا يكون محرزاً عقاره لأن يده لا تكون متأكدة عليها ولا يكون محرزاً لما أودعه من حربي في قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وإنما يكون محرزاً لما في يده أو لما أودعه مسلماً أو معاهداً باعتبار أن يد ذي اليد معتبرة محترمة صالحة للإحراز بها وهي قائمة مقام يده وهذا المعنى لا يوجد في يد الغاصب منه لأنها وإن كانت محترمة فهي ليست بقائمة مقام يده فيلتحق هذا المال بما ليس في يد أحد أصلاً فيكون فيئاً. ألا ترى أنه بعد ما أسلم لو خرج إلى دارنا وخلف ماله في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار كان جميع ذلك المال فيئاً إلا ما أودعه مسلماً أو معاهداً ولا سبيل له عليه قبل القسمة ولا بعدها. لأن ذلك حكم يبتنى على إحراز المال بدار الإسلام ولم يوجد وهذا كله قياس قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأما على قول محمد رحمه الله تعالى كل ذلك مردود عليه قبل القسمة وبعدها إلا شيئاً غصبه منه حربي وجحده ومنعه منه بقوة سلطان أهل تلك البلاد فإن إحراز الحربي لذلك المال عليه يتم بقوة السلطان فيصير متملكاً له فأما ما سوى ذلك كله مال المسلم فهو مردود عليه سواء كان في يده أو في يد غاصبه المسلم أو في يد مودعه وهو حربي وقد تقدم بيان هذه المسألة. والله أعلم.
ولو أن المأسور منه العبد وكل رجلاً بأن يأخذه له بالثمن من يد المشتري من العدو فذلك جائز لأنه يملك أخذه بنفسهن فيملك إقامة الغير فيه مقامه وبعد ما قام مقامه كان له أن يخاصم فيه حتى يأخذه بالثمن. فإذا أخذه كان الثمن على الوكيل للذي اشتراه من أهل الحرب لأن حق قبض العبد إليه فيكون وجوب تسليم الفداء عليه أيضاً وهذا لأنه هو المباشر للعقد وحقوق العقد تتعلق بالعاقد والعاقد فيما هو من حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه كما في الوكيل بالشراء ابتداء فإن قيل: هذا في الشراء يستقيم باعتبار أن الوكيل يباشر سبب ملك مبتدأ فيجعل كأن الملك ثبت له ابتداء أو ثبت للموكل على وجه الخلافة عليه بحكم عقده وهذا المعنى لا يوجد ها هنا لأن العبد يعود إلى قديم ملك المأسور منه فينبغي أن يجعل الوكيل ها هنا كالمعبر عنه فلا يتعلق به حقوق العقد قلنا: هذا في حق المأسور منه إعادة إلى قديم ملكه كما قلتم فأما في حق المشتري من العدو وفي حق الوكيل هذا بمنزلة الشراء ابتداء لأن الوكيل أضاف العقد إلى نفسه فإنه قال: أعطني هذا العبد بالثمن الذي اشتريته به أو قال: أعطني لفلان فلا يكون هو معبراً عنه في موضع يكون مستغنياً عن إضافة العقد إليه حتى لو أضاف العقد إليه بأن قال: أعط فلانا بالثمن الذي أخذته به نقول: بأن يكون المال على الآمر وحق قبض العبد إليه لأنه جعل نفسه معبراً عن العبد فيكون بمنزلة الرسول لا يلحقه العهدة ونظيره الوكيل بالصلح إذا قال: صالحني من دعواك الدار التي في يد فلان على كذا فإنه يكون المال على الموكل ليس على الوكيل منه شيء وكان المعنى فيه وهو أن هذا العقد أخذ شبهاً من أصلين من الشراء المبتدأ باعتبار أنه يستغني عن الإضافة إلى الغير وباعتبار أن المشتري من العدو يزيل ملكه بما يأخذه من العوض ابتداء وشبهاً من الخلع والصلح عن دم العمد فيوفر حظه على الشبهين فنقول: لشبهة بالشراء إذا أضاف العقد إلى نفسه كان هو المطالب بالعوض وكان حق القبض إليه ولشبهه بالخلع والصلح عن دم العمد إذا أضاف العقد إلى المولى القديم كان هو معبراً عنه فيكون المطالب بالثمن هو الموكل وحق القبض إليه ليس على الوكيل من ذلك شيء. فإن دفع الوكيل الثمن وقبض العبد فدفعه إلى الآمر ثم وجد به الآمر عيباً قد كان حدث بعدما أسر من يد مولاه فالذي يخاصم في العيب هو الوكيل لأن الرد بالعيب من حقوق العقد والوكيل في حقوق هذا العقد بمنزلة العاقد لنفسه والحاصل أنه جعل هذا بمنزلة الشراء ابتداء في حكم الرد بالعيب حتى لا يكون بين الآمر وبين المأخوذ منه خصومة سواء كان الوكيل حاضراً أو غائباً ولكن الوكيل هو الذي يخاصم ويرد بالعيب ويسترد الثمن. فإذا ادعى المأخوذ منه أن العيب حادث بعدما أخذ منه فالقول قوله مع يمينه لأن الظاهر شاهد له فإن الحادث يحال بحدوثه على أقرب الأوقات حتى يثبت دليل الإسناد فيه إلى وقت حادث. وبعدما قبض الآمر العبد ليس للوكيل أن يخاصم في عيبه إلا بأمر الآمر لأنه يخاصم للرد وهو يحتاج في ذلك إلى إخراجه من يد الآمر فلا يملك ذلك إلا بأمره. وإن كان العبد في يد الوكيل لم يدفعه إلى الآمر بعدما كان له أن يرده من غير أمر الآمر وبعدما رده ليس للآمر أن يأبى ذلك لأنه بمنزلة الوكيل بالشراء وهذا الحكم في الوكيل بالشراء وقد قررناه في البيوع من شرح المختصر. فإن ادعى المأخوذ منه أن العيب كان عند الآمر قبل الأسر فالقول قول الوكيل مع يمينه لأن المأخوذ منه أدعى في العيب ها هنا تاريخاً سابقاً فلا يقبل قوله إلا بحجة فيكون القول قول المنكر لذلك مع يمينه. فإذا حلف الوكيل رده بالعيب حضر الآمر أو لم يحضر إلا أن يقيم المأخوذ منه البينة على ما ادعى فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين وإنما على المأخوذ منه أن يعيده إلى قديم ملكه على الوجه الذي أخذ منه وقد وجد ذلك وإن لم يكن له بينة فاستحلف الوكيل فأبى أن يخلف لزم ذلك الآمر لأن الوكيل ملجأ إلى هذا فإنه لا يمكنه أن يحلف كاذباً إذا كان عالماً بأن العيب كان عند الآمر وإنما لحقته هذه الضرورة في عمل باشره لغيره فهو نظير الوكيل بالبيع يرد عليه بالعيب يأبى اليمين. فإن أقر الوكيل أن العيب كان عند الآمر وجحد الآمر فللآمر أن يلزم الوكيل إن شاء لأنه غير ملجأ إلى هذا القرار لتمكنه من أن يسكت حتى يعرض عليه اليمين ويقضي بنكوله ونظيره الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب يحدث مثله بإقراره. فإن أقام الوكيل البينة أن العيب كان عند الآمر لزم العبد الآمر لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الآمر والوكيل خصم في إثبات ذلك لحاجته إلى أن يبرئ نفسه من العهدة. ولو أن الوكيل أبرأ المأخوذ منه من العيب الحادث عنده صح إبراؤه في حقه لأنه كالعاقد لنفسه في الخصومة في هذا العيب فكذلك في الإبراء عنه إلا أن الآمر بالخيار إن شاء رضي بما رضي به الوكيل فيأخذ العبد وإن شاء ألزمه الوكيل لأن إسقاطه صحيح في حق من عامله ولا يصح في حق الموكل وهو في هذا الحكم نظير الوكيل بالشراء إذا رضي بالعيب بعد الشراء وأبى الموكل أن يرضى به وهذا لأنه يثبت للآمر حق الرد على الوكيل وللوكيل حق الرد على المشتري من العدو فإنما يعمل رضاء الوكيل في إسقاطه حقه لا في إسقاطه حق الآمر فإن قيل: كيف يملكه الوكيل بالثمن وحكم هذا العقد وعوده إلى قديم ملك المأسور منه لا ثبوت الملك فيه ابتداء لأحد قلنا: ما كان من حكم العقد فقد تم لأنه عاد إلى قديم ملك المولى إلا أنه بما حدث من إباء الآمر الرضاء بالعيب ورضاء الوكيل به يصير الآمر كأنه ملكه من الوكيل بما يغرمه من الثمن فلهذا كان الملك للآمر وفي الوكيل بالشراء هكذا يكون فإن الوكيل إنما يتملكه على الآمر على البائع. ولو كان الآمر قبض العبد وغاب ثم جاء الوكيل به ليرده بالعيب فقال المأخوذ منه: لم يأمرك الآمر برده بالعيب وقال الوكيل: قد أمرني فالقول قول المأخوذ منه لأن أمره إياه بالرد عارض يدعيه الوكيل وخصمه منكر متمسك بما هو الأصل فالقول قول المنكر مع يمينه على علمه لأنه استحلاف على فعل الغير. وإن قال المأخوذ منه أريد يمين الوكيل أن الآمر قد أمره بالرد فلا يمين على الوكلي لأنه مدع فعليه البينة وإنما اليمين في جانب المنكر فلا يجوز تحويلها عن موضعها. ولو ثبت الأمر فقال المأخوذ منه: قد رضي الآمر بالعيب وكذبه الوكيل فالقول قول الوكيل لأن المأخوذ منه ها هنا يدعي شيئاً عارضاً وهو رضاء الآمر بالعيب. ولو ادعى الرضاء على الوكيل كان القول قول الوكيل لإنكاره فكذلك إذا ادعى الرضاء على الآمر لا يمين على الوكيل في ذلك لأن الرضاء مدعى على غيره وهو الآمر. فلو استحلف الوكيل كان على وجه النيابة ولا نيابة في اليمين لأن الآمر لا يحلف بهذه الدعوى لو كان حاضراً لأنه ما عامل المأخوذ منه بشيء حتى يحلف فإذا كان لا يحلف من ادعى الرضاء عليه فكيف يحلف غيره على ذلك! وإن ادعى الرضى على الوكيل وأراد يمينه فله ذلك لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه وقد بينا أنه في هذا الخصومة كالعاقد لنفسه. فإذا جحد الرضى بعدما ادعى عليه ذلك استحلف فإن نكل لزمه العبد ثم الآمر بالخيار لأنه بنكوله صار راضياً بالعيب إما بطريق البدل أو بطريق الإقرار به إن كان أقام المأخوذ منه البينة أن الآمر قد رضي بالعيب وهو غائب فقبلت بينته لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو باتفاق الخصمين فإن حضر الآمر وجحد الرضاء لم يلتفت إلى ذلك لأن الوكيل خصم عنه وبعدما ثبت رضاه بالبينة على خصمه لا يلتفت إلى جحوده. ولو كان الوكيل عالماً بالعيب حين أخذه فهو لازم للآمر سواء كان العيب مستهلكاً للعبد كالعمى أو غير مستهلك للعبد في قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إن كان العيب غير مستهلك فكذلك الجواب وإن كان مستهلكاً للعبد لم يلزم الآمر إلا أن يشاء وهذا نظير الوكيل بالشراء إذا اشترى الأعمى بمثل ثمنه والخلاف فيه معروف إلا أن هناك شرط أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أن يكون شراؤه بمثل ثمنه لأن تصرف الوكيل في الغبن الفاحش في الشراء لا يلزم الآمر وها هنا الثمن مسمى وهو ما أخذه به المشتري من العدو فيلزم الآمر إذا أخذه بذلك الثمن على كل حال وعندهما هناك العقد ينفذ على الوكيل إذا تعذر تنفيذه على الموكل وها هنا لا ينفذ على الوكيل لأنه يأخذه بغير رضى المشتري من العدو باعتبار قديم الملك وقديم الملك كان للآمر لا للوكيل فإذا تعذر تنفيذه على الآمر كان باطلاً بخلاف ما تقدم وهو إذا علم بالعيب فرضي الآمر به فإن هناك قد عاد إلى قديم ملكه وتم موجب ذلك العقد ثم الآمر يلزمه الوكيل باعتبار أنه لا يرضى بعيبه فيكون ذلك بمنزلة التمليك منه ابتداء بعوض. ولو قال رجل للمشتر من العدو إن مولاه وكلني بأخذه منك بالثمن فدفعه إليه بقضاء أو بغير قضاء ثم حضر المولى فجحد ذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الآمر مدعى عليه وهو منكر فالقول قوله لإنكاره ولو أقر به لزمه أخذ الوكيل له فإذا أنكر استحلف عليه. فإن حلف رجع العبد إلى المشتري وليس للوكيل أن يقول آخذه لنفسي لأنه ما أخذه ابتداء على وجه التملك بل على وجه الإعادة إلى قديم ملك المولى بالفداء فإذا تعذر ذلك بطل أخذه بخلاف مدعي الوكالة من جهة الشفيع بالأخذ له بالشفعة إذا أخذه ثم أنكر الشفيع الوكالة فإن المأخوذ يكون للوكيل بذلك الثمن لأنه أخذه على وجه التملك ابتداء بعوض فإن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء المبتدأ فإذا تعذر تنفيذه على الموكل بجحوده كان نافذاً على الوكيل. وإن أقام الآخذ البينة أن المأسور منه وكله بأخذه كان الثابت من الآمر بالبينة كالثابت بإقرار الخصم فيكون العبد للآمر وحكم العهدة فيه كما بينا في الفصل الأول. ولو أن أجنبياً وكل رجلاً بأن يشتري العبد المأسور من المشتري من العدو فاشتراه بثمن معلوم ثم حضر المولى فليس له أن ينقض البيع الثاني ولكن يأخذه بالثمن الثاني أو يدع لأن الشرع أثبت له حق الأخذ بالفداء من غير أن ينقض تصرفاً سبق أخذه كما قررنا. فإن وجده في يد الوكيل بالشراء فله أن يأخذه منه بالثمن وإن كان الموكل غائباً لأن الوكيل ما دام العبد في يده في حكم المشتري لنفسه ثم البائع من الموكل ولهذا يحبسه عنه بالثمن إذا نقده من مال نفسه ويكون له أن يرده بالعيب من غير استطلاع رأي الموكل. وإن كان الوكيل قد دفعه إلى الموكل فلا سبيل للمولى القديم عليه ولكنه يتبع الموكل فيأخذ منه العبد ويدفع إليه الثمن لأن حكم يد الوكيل قد انتهى بالتسليم إلى الآمر ولهذا لا يرده بالعيب إلا برضاء الآمر ولا يحبسه عنه بالثمن بعد ذلك وهو أنه يخاصم ذا اليد لأنه إنما يخاصم ليأخذه وإنما يتمكن من الآخذ ممن في يده. فإن حضر بعدما اشتراه الوكيل قبل أن يقبضه من المشتري من العدو فليس له أن ينقض شراء الوكيل قصداً ولكن يكون له أن يأخذه من يد المشتري من العدو بالثمن الذي اشتراه به الوكيل إن شاء لأنه صادفه في يده فيكون له أن يأخذه منه بمنزلة الشفيع يأخذ بالشفعة من يد البائع بالثمن قبل أن يسلمه إلى المشتري إلا أن هناك يشترط حضرة المشترى لأنه يتملكه بالأخذ ابتداء وهو ملك المشتري وههنا المولى لا يتملكه ابتداء ولكن يعيده إلى قديم ملكه فلا يشترط حضور غير ذي اليد لأخذه وإذا أخذه من يده كانت عهدته عليه لأن بأخذه فات القبض المستحق بالعقد الذي كان بينه وبين الوكيل فينتقض ذلك العقد من الأصل فيما بينهما حكماً لأخذه ويلتحق هذا بما لو أخذه قبل شراء الوكيل وهذا هو الحكم في الشفيع أيضاً إذا أخذه من يد البائع وإن كان الوكيل قد قبضه فأخذه من يده فعهدته عليه وكذلك إن كان سلمه إلى الموكل فأخذه من يده فعهدته عليه. فإن وجد به عيباً كان حادثاً به بعدما أسر من يده فرده بقضاء قاض فإن كان رده على الموكل أو على الوكيل فهو على الموكل لأنه بهذا الرد انفسخ قبضه فيعود الحكم على ما كان قبل قبضه وإن كان أخذه من المشتري من العدو فإنه يعود بالرد إليه ولا سبيل للموكل ولا الوكيل عليه في أخذه لما بينا أن العقد الذي جرى بينهما قد انتقص بفوات القبض المستحق له فلا يعود إلا بالتجديد ونظيره الشفعة. وإن كان رده على الوكيل بغير قضاء قاض فهو للوكيل لأن هذا بمنزلة الشراء المبتدأ في حق الموكل فلا يلزمه حكمه. ولو كان المولى القديم وكل وكيلاً بأخذه من المشتري من العدو بالثمن فأخذه وهلك في يده قبل أن يسلمه إلى الموكل فهلاكه على الموكل لأن الوكيل يقبض له فيده كيده ما لم يمنعه منه وإن هلك في يد المشتري من العدو قبل أن يقبضه الوكيل فقد انتقض حكم ذلك الأخذ ويرجع الوكيل بالثمن على المشتري من العدو فيدفعه إلى الآمر إن كان أعطاه من ماله ويسلم من ماله إن كان أعطاه من مال نفسه وإن توى الثمن على الذي أعطاه لم يكن له أن يرجع على الموكل بشيء. لأنه في إعطاء الثمن من مال نفسه كان عاملاً له وإنما كان عاملاً لنفسه في إسقاط المطالبة عنه فإن المطالبة بالثمن توجهت عليه دون الآمر. وبهذا كان له أن يحبسه من الآمر إذا قبضه حتى يستوفي منه الثمن لنفسه فإن هلك بعد الحبس هلك من مال الوكيل وبطل الثمن عن الوكيل لأنه حين منعه فكأنه هو الذي أعطاه إياه بالثمن وقد عرف هذا الحكم في الوكيل بالشراء فهذا قياسه. وإن تعيب في يد الوكيل بعدما منعه فالمولى القديم بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ألزمه الوكيل بالثمن لأن الوكيل في حقه بعدما منعه قام مقام المشتري من العدو ولهذا استوى الحكم بين ما إذا تعيب بصنيع الوكيل وبين ما إذا تعيب بغير صنيعه كما يستوي في حق المشتري من العدو بخلاف الوكيل بالشراء في هذا الفصل فإنه إذا عيبه بعدما منعه سقطت حصة العيب من الثمن عن الموكل لأن الوكيل في هذا قائم مقام البائع ومعنى الفرق أن الموكل إنما يأخذه ها هنا بالفداء ليعيده إلى قديم ملكه. فكان الفداء بمقابلة الأصل دون الوصف فسواء فات الوصف بصنع مكتسب أو لا بصنع أحد لا يسقط شيء من الفداء بخلاف الشراء المبتدأ فإن الوصف يأخذ حظاً من الثمن في الشراء إذا صار مقصوداً بالتناول. ولو أن الوكيل أقام المشتري من العدو لم يجز ذلك على الموكل لأن بأخذه عاد إلى قديم ملك الموكل فليس للوكيل أن يخرجه عن ملكه بعقد ينشئه من غير رضاه والإقالة في حقه بمنزلة البيع المبتدأ. ولو كان المشتري من العدو وكل رجلاً بأن يدفعه إلى مولاه بالثمن فهذا جائز ولا وكيل هو المؤاخذ بالعبد حتى يسلمه إليه وهو الذي يأخذ الثمن من المولى بمنزلة الوكيل بالبيع وهذا الحكم في الفصل أظهر لما بينا أن المشتري من العدو يزيل ملكه بعوض فهذا التصرف في حقه بمنزلة البيع المبتدأ وإن كان في حق المولى هو إعادة إلى قديم ملكه بالفداء. ولو أن المشتري من العدو باع العبد من إنسان بجارية ولم يتقابضا حتى حضر المولى القديم فله أن يأخذه ممن في يده بقيمة الجارية لأنه ليس له حق نقض التصرف فإنما يأخذه بمثل الثمن الثاني والجارية ليست من ذوات الأمثال فيأخذها بقيمتها كالشفيع ثم ينتقض البيع فيما بين البائع والمشتري الآخر لفوات القبض المستحق بالعقد فتبقى الجارية على ملك المشتري الآخر وقيمتها للمشتري من العدو وعهدة المولى على المشتري من العدو وإن كان حضر بعد التقابض أو بعد ما قبض العبد قبل أن يسلم الجارية أخذه بقيمتها من المشتري الآخر وعهدته عليه وكانت الجارية للمشتري من العدو لأن البيع بينهما باق قد انتهى بقبض العبد. فإن وجد المشتري من العدو بالجارية عيباً ردهاً على المشتري الآخر وأخذ منه قيمة الجارية التي أخذها ليس له غير ذلك لأن حق المشتري من العدو في قيمة الجارية. ألا ترى أنه لو أخذه المولى منه أخذه بقيمة الجارية ولو رد الجارية بالعيب قبل أن يأخذ العبد من المشتري الآخر واسترد العبد ثم حضر المولى كان له أن يأخذه بقيمة الجارية فإن مناقضتهما البيع لا يسقط حق المولى كان له أن يأخذه بقيمة الجارية إذا كان الرد بالعيب بغير قضاء القاضي فعرفنا أن حقه في قيمة الجارية والمشتري قادر على تسليم قيمة الجارية إليه فلا يلزمه شيء آخر. ونظير هذا الشفعة وقد بينا هناك أن بدل الدار كانت جارية قبل أخذ الشفيع فيأخذه بتحويل إلى قيمة الجارية وكذلك بدل الجارية بعد أخذ الشفيع الدار قيمتها فكذلك في هذا الموضع. وإن كان رد الجارية بقضاء القاضي قبل أن يأخذ المولى العبد واسترد العبد ثم حضر المولى فإنه يأخذه من المشتري من العدو بالثمن الأول لأن البيع الثاني حين انتقض بقضاء القاضي صار كأن لم يكن وهذا بخلاف الشفعة فإن هناك لو جعلنا الذي جرى بين البائع والمشتري كأن لم يكن بطل حق الشفيع وهما لا يملكان إبطال حق الشفيع بعدما ثبت حقه في الأخذ وها هنا حق المولى القديم لا يبطل وإن جعلنا البيع الثاني كأن لم يكن وكذلك لو كان المشتري الآخر هو الذي وجد العيب بالعبد فرده على التفصيل الذي قلنا. ولو تقايلا أخذ المولى عبده بقيمة الجارية إن شاء لأن الإقالة في حقه كالبيع المبتدأ وقد بينا أن حق الأخذ يثبت له من غير أن ينقض تصرفاً فإنما يأخذه بآخر الأثمان. ولو كان المشتري الآخر قبض العبد ولم يره أو شرط الخيار لنفسه ثم حضر المولى فله أن يأخذه من يده بقيمة الجارية لأنه صادفه في يده فإن أخذه فالمشتري الآخر بالخيار إن شاء سلم الجارية للمشتري من العدو وكانت له القيمة التي أخذها من المولى وإن شاء سلم القيمة إليه وأخذ منه الجارية في خيار الشرط وفي خيار الرؤية الجارية تسلم للمشتري من العدو فيكون قيمتها للمشتري الآخر. لأن في خيار الرؤية قد كان مالكاً راضياً بالعقد إلا أنه كان متمكناً من الرد للجهل بأوصاف المعقود عليه وقد تعذر رده حين أخذه المولى من يده فيسقط خياره وأما خيار الشرط فقد كان مانعاً خروج الجارية من ملكه لأن خياره فيها خيار البائع وأما خيار الشرط فقد كان مانعاً خروج الجارية من ملكه لأن خياره فيها خيار البائع فهو يعدم رضاه بتمليك الجارية عليه فبعدما أخذ العبد من يده يبقى هو على خياره فإن شاء أمضى العقد في الجارية وسلمها إليه وإن شاء فسخ العقد فيها ورد قيمة الجارية لما بينا أن بأخذ المولى القديم العبد تعين حق المشتري من العدو في قيمة الجارية. وإن لم يختر شيئاً حتى مضت مدة الخيار فالجارية للمشتري من العدو لأن بمضي المدة سقط خياره ويتم البيع فيها فيلزمه تسليمها وتكون القيمة للمشتري الآخر. ولو كانا تبايعا ولم يتقابضا حتى رد المشتري الآخر العبد بخيار الرؤية أو خيار الشرط أو خيار العيب ثم حضر المولى القديم فله أن يأخذه من المشتري من العدو بالثمن الأول الذي اشتراه به من العدو لأن بالرد بهذه الأسباب قد انتقض البيع الثاني من الأصل فصار كأن لم يكن. ولو لم يفسخ المشتري الآخر العقد حتى حضر المولى القديم فأخذ العبد من المشتري من العدو بقيمة الجارية فإن القيمة تكون للمشتري من العدو عليه رد الجارية على المشتري الآخر إن كان قبضها منه لما بينا أن العقد الثاني قد انتقض لفوات القبض المستحق به سواء كان فيه خيار أو لم يكن فإن قضى القاضي للمولى بالعبد بقيمة الجارية ثم رأى به عيباً حادثاً بعدما قبضه أو قبل أن يقبضه فرده فلا سبيل للمشتري الآخر على العبد لأن بنفس القضاء به للمولى بقيمة الجارية قد انتقض البيع الثاني فيما بينهما فلا يعود إلا بالتجديد وهو نظير الشفعة في هذا الفصل فإن قضاء القاضي للشفيع بالشفعة على البائع يتضمن نقض البيع فيما بين البائع والمشتري حتى لا يعود وإن رده الشفيع بالعيب. ولو كان المولى القديم وكل رجلاً بأخذه من المشتري من العدو بالثمن فقال الوكيل للمشتري: أعطه فلاناً بالثمن وقال: قد فعلت فالثمن على الآمر ها هنا دون الوكيل لأنه جعل نفسه ها هنا سفيراً ولا عاقداً بخلاف ما لو قال: أعطنيه. ولو قال: أعطه فلاناً بالثمن على أني ضامن لك الثمن أو أعطه إياه بثمنه من مالي فالثمن لازم للوكيل لأن إضافة العقد إلى مال نفسه أو اشتراط الضمان على نفسه بمنزلة إضافة العقد إلى نفسه أو أقوى منه أما بيان أنه بمنزلة إضافة العقد إلى نفسه في الوكيل بالصلح فإنه لو قال: صالح فلاناً من هذه الدار على ألف ردهم على أني لها ضامن أو على ألف ردهم من مالي كان المال على الوكيل دون الآمر بمنزلة ما لو قال: صالحني وأما بيان كونه أقوى ففي الوكيل بالخلع فإنه لو قال: اخلعها على ألف درهم من مالي أو على ألف على أني ضامن لها كان المال على الوكيل ومعلوم أن بإضافة العقد إلى الوكل ها هنا لا يجب المال عليه فعرفنا أن اشتراط الضمان أو إضافة العقد إلى ماله يكون أقوى من إضافة العقد إلى نفسه في وجوب البدل عليه وإذا وجب عليه لم يكن للمشتري من العدو على الآمر شيء وإذا أخذ العدو إبريق فضة لرجل وزنه مائتا درهم فاشتراه منهم مسلم بمائتين وخمسين لجودته وصناعته فلمالكه القديم أن يأخذه بمائتين وخمسين إن شاء لأن المشتري من العدو أعطى في فدائه هذا المقدار وقد بينا أن المولى القديم إنما يأخذه بما أعطى المشتري من العدو في فدائه فيكون هذا مستقيماً لأنه لا يتملكه ابتداء بعوض وإنما يعيده إلى قديم ملكه بالفداء فلا يتمكن معنى الربا في هذه المعاملة. وإذا ثبت أن له أن يأخذه بهذا المقدار ثبت أن له أن يوكل غيره ليأخذه به لأن الوكيل قام مقام الموكل وإن افترقا قبل التقابض لم ينتقض الأخذ وقد بينا هذا فيما سبق أنه فداء وليس بشراء مبتدأ فلا يشترط فيه القبض في المجلس. فإن أعطى الوكيل الفداء من ماله وقبضه فله أن يمنعه من الموكل حتى يأخذ منه الفداء وإن هلك بعد المنع في يد الوكيل هلك بجميع الفداء لما بينا أن الوكيل بعدما منعه قام في ذلك مقام المشتري من العدو وأوضح هذا برجل وكل رجلاً بأن يشتري له أرضاً فيها نخل بكر من تمر فاشترى الوكيل ونقد الكر من ماله وقبضه ثم منعه من الآمر حتى يدفع إليه الكر فأثمرت في يد الوكيل كراً فإنه يكون للموكل أن يقبضه مع التمر بكر دفعه إليه ولا يتمكن معنى الربا بينهما بالزيادة التي حدثت في يده لأن الوكيل قام في ذلك مقام البائع ولو أثمرت كراً في يد البائع قبل القبض لم يبطل البيع فكذلك إذا أثمرت في يد الوكيل وكذلك إن كان الوكيل رأى بالمبيع عيباً فرضي به وأبى الموكل أن يرضى به فإن ذلك يلزم الوكيل بالكر ولا يتمكن فيه الربا لأن هذا ليس بمبايعة تجري بينهما ابتداء وإنما يتحقق الربا في المعاوضة على سبيل المقابلة. ألا ترى أن الوكيل لو رأى العيب بالأرض فردها عليه كان قد رد أرضاً ونخلاً وكراً من تمر بكر من تمر فذلك جائز وهذا إنما يستقيم فيما إذا أثمرت في يد البائع قبل أن يقبضه الوكيل فأما إذا أثمرت بعد القبض فليس للوكيل حق الرد لأن الزيادة الحادثة بعد القبض تمنع الرد بالعيب. وأوضح هذا أيضاً بما لو كان الوكيل اشترى للآمر عبداً بألف درهم وقيمته ألف وخمسمائة فقتله رجل خطأ في يد البائع أو في يد الوكيل فالجواب فيه على ما بينا في النخيل إذا أثمرت لأن في كل واحد من الموضعين لا يتمكن بسبب هذه الزيادة حقيقة الربا على الوجه الذي يتمكن في البيع المستقبل وعلى هذا أيضاً مسألة الإبريق لو رأى الوكيل العيب به فأبى المشتري من العدو ثم أبى الآمر أن يرضى به فالإبريق للوكيل بما أدى به من الفداء وإن كان أكثر
|