فصل: أخبار مودود مع الإفرنج ومقتله ووفاة صاحب إنطاكية.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخبار مودود مع الإفرنج ومقتله ووفاة صاحب إنطاكية.

ثم سار الأمير مودود صاحب الموصل سنة ست إلى سروج وعاث في نواحيها فخرج جكرمش صاحب تل ناشر وأغار على دوابهم فاستاقها من راعيها وقتل كثيرا من العسكر ورجع ثم توفي الأمير الأرمني صاحب الدروب ببلاد ابن كاور فسار شكري صاحب إنطاكية من الإفرنج إلى بلاده ليملكها فمرض وعاد إلى إنطاكية ومات منتصف سنة ست وملكها بعده ابن أخته سرجان واستقام أمره ثم جمع الأمير مودود صاحب الموصل العساكر واحتشد وجاءه تميرك صاحب سنجار واياز بن أبي الغازي صاحب ماردين وطغركين صاحب دمشق ودخلوا في محرم سنة سبع إلى بلاد الإفرنج وخرج بقدوين ملك القدس وجوسكين صاحب القدس يغير على دمشق فعبروا الفرات وقصدوا القدس ونزلوا على الأردن والإفرنج عدوتهم واقتتلوا منتصف المحرم فانهزم الإفرنج وهلك منهم كثير في بحيرة طبرية والأردن وغنم المسلمون سوادهم وساروا منهزمين فلقيهم عسكر طرابلس وإنطاكية فشردوا معهم وأقاموا على جبل طبرية وحاصرهم المسلمون نحوا من شهور فلم يظفروا بهم فتركوهم وانساحوا في بلاد الإفرنج ما بين عكا والقدس واكتسحوها ثم انقطعت المواد عنهم للبعد عن بلادهم فعادوا إلى مرج الصفر على نية العود للغزاة في فصل الربيع وأذنوا للعساكر في الانطلاق ودخل مودود إلى دمشق يقيم بها إلى أوان اجتماعهم فطعنه باطني في الجامع منصرفه من صلاة الجمعة آخر ربيع الأول من السنة ومات من يومه واتهم طغركين بقتله والله تعالى أعلم.

.أخبار البرسقي مع الإفرنج.

ولما قتل مودود بعث السلطان محمد مكانه اقسنقر البرسقي ومعه ابنه السلطان مسعود في العساكر لقتال الإفرنج وبعث إلى الأمراء بطاعته فجاءه عماد الدين زنكي بن اقسنقر وتميرك صاحب سنجار وسار إلى جزيرة ابن عمر وملكها من يد نائب مودود ثم سار إلى ماردين فحاصرها إلى أن أذعن أبو الغازي صاحبها وبعث معه ابنه ايازا في العساكر فساروا إلى الرها وحاصروها في ذي الحجة سنة ثمان مدة سبعين يوما فامتنعت وضاقت الميرة على المسلمين فرحلوا إلى شمشاط وسروج وعاثوا في تلك النواحي وهلك في خلال ذلك بكواسيل صاحب مرعش وكيسوم وزغبان من الإفرنج وملكت زوجته بعده وامتنعت من الإفرنج وأرسلت إلى البرسقي على الرها بطاعته فبعث إليها صاحب الخابور فردته بالأموال والهدايا وبطاعتها فعاد من كان عندها من الإفرنج إلى إنطاكية والله أعلم.

.الحرب بين العساكر السلطانية والفرنج.

كان السلطان محمد قد تنكر لطغركين صاحب دمشق لاتهامه اياه بقتل مودود فعصى وأظهر الخلاف وتابعه أبو الغازي صاحب ماردين لما كان بينه وبين البرسقي فاهتم السلطان شأنهما وشأن الافرنج وقوتهم وجهز العساكر مع الأمير برسق صاحب همذان وبعث معه الأمير حيوس بك والأمير كسقري وعساكر الموصل والجزيرة وأمرهم بغزو الافرنج بعد الفراغ من شأن أبي الغازي وطغركين فساروا في رمضان سنة ثمان وعبروا الفرات عند الرميلة وجاؤا إلى حلب وبها لؤلؤ الخادم بعد رضوان ومقدم العساكر شمس الخواص وعرضوا عليهما كتب السلطان بتسليم البلد فدافعا بالجواب واستنجدا أبا الغازي وطغركين فوصلا إليهما في ألفي فارس وامتعا بها على العسكر فسار الأمير برسق إلى حماة من أعمال طغركين فملكها عنوة ونهبها ثلاثا وسلمها للأمير قرجان صاحب حمص بأمر السلطان بذلك في كل بلد يفتحونه فنفس عليه الأمراء ذلك وفسدت ضمائرهم وكان أبو الغازي وطغركين وشم الخواص قد ساروا إلى انطاكية مستنجدين بصاحبها روميل على مدافعتهم عن حماة فبلغهم فتحها ووصل إليهم بانطاكية بقدوين ملك القدس وطرابلس وغيره من شياطين الافرنج واجتمعوا على افامية واتفقوا على مطاولة المسلمين إلى فصل الشتاء ليتفرقوا فلما أظل الشتاء والمسلمون مقيمون عاد أبو الغازي إلى ماردين وطغركين إلى دمشق والافرنج إلى بلادهم وقصد المسلمون كفر طاب وكانت هي وافامية للافرنج فملكوها عنوة وفتكوا بالافرنج فيها وأسروا صاحبها ثم ساروا إلى قلعة افامية فاستعصت عليهم فعادوا إلى المعرة وهي للافرنج وفارقهم الأمير حيوس بك إلى وادي مراغة فملكه وسارت العساكر من المعرة إلى حلب وأثقالهم ودوابهم وهم متلاصقون فوصلت مقدمتهم إلى الشام وخربوا الابنية وكان روميل صاحب انطاكية قد سار في خمسمائة فارس وألفي راجل للمدافعة عن كفر طاب وأظل على خيام المسلمين قبل وصولهم فقتل من وجد بها من السوقة والغلمان وأقام الارنج بين الخيام يقتلون كل من لحق بها حتى وصل الأمير برسق وأخوه زنكي فصعدا ربوة هناك وأحاط الفل من المسلمين به وعزم برسق على الاستمالة ثم غلبه اخوه زنكي على النجاة فنجا فيمن معه واتبعهم الافرنج فرسخا ورجعوا عنه وافترقت العساكر الاسلامية منهزمة إلى بلادها وأشفق أهل حلب وغيرها من بلاد الشام من الافرنج بعد هذه الواقعة وسار الافرنج إلى رميلة من أعمال دمشق فملكوها وبالغوا في تحصينها واعتزم طغركين على تخريب بلاد الافرنج ثم بلغه الخبر عن خلو رميلة من الحامية فبادر إليها سنة تسع وملكها عنوة وقاتل وأسر وغنم وعاد إلى دمشق ولم تزل رميلة بين المسلمين إلى أن حاصرها الافرنج سنة عشرين وخمسمائة وملكوها والله أعلم.