الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الشحنة ببغداد. كان السلطان قد قبض سنة اثنتين وخمسين على أبي القاسم الحسين بن عبد الواحد صاحب المخزن وعلي بن الفرج ابن رئيس الرؤساء واعتقلهما وصادرهما على مال يحملانه وأرسل مجاهد الدين لقبض المال وأمره بعمارة دار الملك فاضطلع بعمارتها وأحسن السيرة في الناس وقدم السلطان أثر ذلك إلى بغداد فشكر سيرته وولاه شحنة بالعراق وعاد إلى أصبهان..وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود. ثم توفي السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذي الحجة من سنة إحدى وخمسمائة وقد كان عهد لولده محمود وهو يومئذ غلام محتلم وأمره بالجلوس على التخت بالتاج والسوارين وذلك لاثنتي عشرة سنة ونصف من استبداده بالملك واجتماع الناس عليه بعد أخيه وولي بعده ابنه محمود وبايعه أمراء السلجوقية ودبر دولته الوزير الرسب أبو منصور ابن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير أبيه وبعث إلى المستظهر في الخطبة فخطب له على منابر بغداد منتصف المحرم سنة إثنتي عشرة وكان أقسنقر البرسقي مقيما بالرحبة استخلف بها ابنه مسعودا وسار إلى السلطان محمد يطلب الزيادة في الأقطاع والولاية ولقيه خبر وفاته قريبا من بغداد فمنعه بهروز الشحنة من دخولهما وسار إلى أصبهان فلقيه بحلوان توقيع السلطان محمود بأن يكون شحنة بغداد لسعى الأمراء له في ذلك تعصبا على مجاهد الدين بهروز وغيره منه لمكانه عند السلطان محمد ولما رجع أقسنقر إلى بغداد هرب مجاهد الدين بهروز إلى تكريت وكانت من أعماله ثم عزل السلطان محمود أقسنقر وولى شحنة بغداد الأمير منكبرس حاكما في دولته بأصبهان فبعث نائبا عنه ببغداد والعراق الأمير حسين بن أروبك أحد أمراء الأتراك ورغب البرسقي من المستظهر بالعدة فلم يتوقف فسار أقسنقر إليه وقاتله وانهزم الأمير حسين وقتل أخوه وعاد إلى عسكر السلطان وذلك في ربيع الأول من سنة إثنتي عشرة..وفاة المستظهر وخلافة المسترشد. ثم توفي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله أبو القاسم عبد الله بن القائم بالله في منتصف ربيع الآخر سنة إثنتي عشرة وخمسمائة لأربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر من خلافته وبويع بعده ابنه المسترشد بالله الفضل وكان ولي عهده منذ ثلاث وعشرين سنة وبايعه أخوه عبد الله محمد وهو المقتدي وأبو طالب العباس وعمومته بنو المقتدي وغيرهم من الأمراء والقضاة والأئمة والأعيان وتولى أخذ البيعة القاضي أبو الحسن الدامغاني وكان نائبا عن الوزارة فأقره المسترشد عليها ولم يأخذ البيعة قاض غير هذا للمسترشد وأحمد بن أبي داود للواثق والقاضي أبو علي إسمعيل بن إسحق للمعتضد ثم عزل المسترشد قاضي القضاة عن نيابة الوزارة واستوزر أبا شجاع محمد بن الرسب أبي منصور خاطبه أبوه وزير السلطان محمود وابنه محمد في شأنه فاستوزره ثم عزله سنة عشر واستوزر مكانه جلال الدين عميد الدولة أبا علي بن صدقة وهم عم جلال الدين أبي الرضى بن صدقة وزير الراشد..ولما شغل الناس ببيعة المسترشد ركب أخوه الأمير أبو الحسن في السفن مع ثلاثة نفر وانحدر إلى المدائن ومنها إلى الحلة فأكرمه دبيس وهم ذلك المسترشد وبعث إلى دبيس في إعادته مع النقيب علي بن طراد الرثيني فاعتذر بالذمام وأنه لا يكرهه فخطب النقيب أبا الحسن أخا الخليفة في الرجوع فاعتذر بالخوف وطلب الأمان ثم حدث من البرسقي ودبيس ما نذكره فتأخر ذلك إلى صفر من سنته وهي سنة ثلاث عشرة فسار أبو الحسن بن المستظهر إلى واسط وملكها فبادر المسترشد إلى ولاية العهد لابنه جعفر المنصور ابن اثنتي عشر سنة فخطب له وكتب إلى البلاد بذلك وكتب إلى دبيس بمعاجلة أخيه أبي الحسن فإنه فارق ذمامه فبعث دبيس العساكر إلى واسط فهرب منها وصادفوه عند الصبح فنهبوا أثقاله وهرب الأكراد والأتراك عنه وقبض عليه بعض الفرق وجاؤوا به إلى دبيس فأكرمه المسترشد وأمنه وأنزله أحسن نزل. .انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود ثم مصالحته واستقرار جكرمش شحنة ببغداد. كان السلطان محمد قد أنزل ابنه مسعودا بالحلة وجعل معه حيوس بك أتابك فلما ملك السلطان محمود بعد وفاة أبيه ثم ولي المسترشد الخلافة بعد أبيه وكان دبيس صاحب الحلة ممرضا في طاعته وكان أقسنقر البرسقي شحنة بالعراق كما ذكرناه أراد قصة الحلة وأخلى دبيس عنها وجمع لذلك جموعا من العرب والأكراد وبرز من بغداد في جمادى سنة إثنتي عشرة وبلغ الخبر إلى الملك مسعود بالموصل وأن العراق خال من الحامية فأشار عليه أصحابه بقصد العراق للسلطنة فلا مانع دونها فسار في جيوش كثيرة ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمار صاحب طرابلس وسيأتي خبره وقسيم الدولة زنكي بن أقسنقر ابن الملك العادل وصاحب سنجار وأبو الهيجاء صاحب اربل وكربادي بن خراسان التركماني صاحب البواريج ولما قربوا من العراق خافهم أقسنقر البرسقي بمكان حيوس بك من الملك المسعود وأما هو فقد كان أبوه محمد جعله أتابك لابنه مسعود فسار البرسقي لقتالهم وبعثوا إليه الأمير كربادي في الصلح وأنهم إنما جاؤا بحدة له على دبيس فقبل وتعاهدوا ورجعوا إلى بغداد كما مر خبره وسار البرسقي لقتاله فاجتمع مع دبيس بن صدقة واتفقا على المعاضدة وسار الملك مسعود ومن معه إلى المدائن للقاء دبيس ومنكبرس ثم بلغهم كثرة جموعهما فعاد الملك مسعود والبرسقي وحيوس بك وعبروا نهر صرصر وحفظ المخاضات وأفحش الطائفتان في نهب السواد واستباحته بنهر الملك ونهر صرصر ونهر عيسى ودجيل وبعث المسترشد إلى الملك مسعود والبرسقي بالنكير عليهم فأنكر البرسقي وقوع شيء من ذلك واعتزم على العود إلى بغداد وبلغه أن دبيس ومنكبرس قد جهز العساكر إليها مع منصور أخي دبيس وحسن بن أوربك ربيب منكبرس فأغذ السير وخلف ابنه عز الدين مسعودا على العسكر بصرصر واستصحب عماد الدين زنكي بن أقسنقر وجاؤا بغداد ليلا فمنعوا عساكر منكبرس ودبيس من العبور ثم انعقد الصلح بين منكبرس والملك مسعود وكان سببه أن حيوس بك كاتب السلطان محمود وهو بالموصل في طلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب الرسول بأنه أقطعهم أذربيجان ثم بلغه قصدهم بغداد فاتهمهم بالانتقاض وجهز العساكر إلى الموصل وسقط الكتاب بيد منكبرس وكان على أم الملك مسعود فبعث به إلى حيوس بك وداخله في الصلح والرجوع عما هم فيه فاصطلحوا واتفقوا وبلغ الخبر إلى البرسقي فجاء إلى الملك مسعود وأخذ ماله وتركه وعاد إلى بغداد فخيم بجانب منها وجاء الملك مسعود وحيوس بك فخيما في جانب آخر وأصعد دبيس ومنكبرس فخيما كذلك وتفرق على البرسقي أصحابه وجموعه وسار عن العراق إلى الملك مسعود فأقام معه واستقر منكبرس شحنة ببغداد وعاد دبيس إلى الحلة وأساء منكبرس السيرة في بغداد بالظلم والعسف وانطلاق أيدي أصحابه بالفساد حتى ضجر الناس وبعث عنه السلطان محمود فسار إليه وكفى الناس شره.
|