الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خلع القاهر وبيعة الراضى. ولما قتل مؤنسا وأصحابه أقام يتطلب الوزير أبا علي بن مقلة والحسن بن هرون وهما مستتران وكانا يراسلان قواد الساجية والحجرية ويغريانهم بالقاهر فإنهم غروه كما فعل بأصحابه قبلهم وكان ابن مقلة يجتمع بالقواد ويراسلهم ويجيء إليهم متنكرا ويغريهم ووضعوا على سيما أن منجما أخباره أنه ينكب القاهر ويقتله ودسوا إلى معبر كان عنده أموالا على أن يحذره من القاهر فنفر واستوحش وحفر القاهر مطامير في داره فقيل لسيما والقواد إنما صنعت لكم فازدادوا نفرة وكان سيما رئيس الساجية فارتاب بالقاهر وجمع أصحابه وأعطاهم السلاح وبعث إلى الحجرية فجمعهم عنده وتحالفوا على خلع القاهر وزحفوا إلى الدور وهجموا عليه فقام من النوم ووجد الأبواب مشحونة بالرجال فهرب إلى السطح ودلهم عليه خادم فجاؤه واستدعوه للنزول فأبى فتهددوه بالرشق بالسهام فنزل وجاؤا به إلى محبس طريف السيكري فحبسوه مكانه وأطلقوه حتى سمل بعد ذلك وذلك لسنة ونصف من خلافته وهرب الحصيبي وزيره وسلامة حاجبه وقد قيل خلعه غير هذا وهو أن القاهر لما تمكن من الخلافة اشتد على الساجية والحجرية واستهان بهم فتشاكوا ثم خافه حاجبه سلامة لأنه كان يطالبه بالأموال ووزيره الخصيبي كذلك وحفر المطامير في داره فارتابوا به كما ذكرنا وأسر جماعة من القرامطة فحبسهم بتلك المطامير وأراد أن يستظهر بهم على الحجرية والساجية فتنكروا ذلك وقالوا فيه للوزير وللحاجب فأخرجهم من الدار وسلمهم لمحمد بن ياقوت صاحب الشرطة وأوصاه إليهم فازاد الساجية والحجرية ريبة ثم تنكر لهم القاهر وصار يعلن بذمهم وكراهتهم فاجتمعوا لخلعه كما ذكرنا ولما قبض القاهر بحثوا عن أبي العباس بن المقتدر وكان محبوسا مع أمه فأخرجوه وبايعوه في جمادى سنة اثنتين وعشرين وبايعه القواد والناس وأحضر علي بن عيسى وأخاه عبد الرحمن وصدر عن رأيهما وأراد علي ابن عيسى على الوزارة فامتنع واعتذر بالنكير وأشار بابن مقلة فأمنه واستوزره وبعث القضاة إلى القاهر ليخلع نفسه فأبى فسمل وأمن ابن مقلة الخصيبي وولاه وولى الفضل بن جعفر بن الفرات نائبا عنه عن أعمال الموصل وقردى وباريدى وماردين وديار الجزيرة وديار بكر وطريق الفرات والثغور الجزرية والشامية وأجناد الشام وديار مصر يعزل ويولي من يراه في الخراج والمعادن والنفقات والبريد وغير ذلك وولى الراضي على الشرطة بدرا الحمامي وأرسل إلى محمد بن رائق يستدعيه وكان قد استولى على الأهواز ودفع عنها ابن ياقوت من تلك الولاية إلى السوس وجندي سابور وقد ولى على أصبهان وهو يروم المسير إليها فلما ولي الراضي استدعاه للحجابة فسار إلى واسط وطلب محمد بن ياقوت الحجابة فأجيب إليها فسار في أثر ابن رائق وبلغ ابن رائق الخبر فسار من واسط مسبقا لابن ياقوت بالمدائن توقيع الراضي بالحرب والمعادن في واسط مضافا إلى ما بيده من البصرة والمعادن فعاد منحدرا في دجلة وليقه ابن ياقوت مصعدا ودخل بغداد وولى الحجبة وصارت إليه رياسة الجيش ونظر في أمر الدواوين وأمرهم بحضور مجلسه وأن لا ينفذوا توقيعا في ولاية أو عزل أو اطلاق إلا بخطه وصار نظر الوزير في الحقيقة له واين مقلة مكابر مجلسه مع جملتهم ومتميز عنهم في الإيثار والمجلس فقط..مقتل هرون. كان هرون بن غريب الحال على ماه الكوفة والدينور وما سبذان الأعمال التي ولاها القاهر إياه فلما خلع القاهر واستخلف الراضي رأى هرون أنه أحق بالدولة من غيره لأنه ابن خال المقتدر فكاتب القواد ووعدهم وسار من الدينور إلى خافقين وشكا ابن مقلة وابن ياقوت والحجرية والساجية إلى الراضي فأذن لهم في منعه فراسلوه أولا بالمممانعة والزيادة على ما في يده من الأعمال فلم يلتفت إليهم وشرع في الجباية فقويت شوكته فسار إليه محمد بن ياقوت في العساكر وهرب عنه بعض أصحابه إلى هرون وكتب إلى هرون يستميله فلم يجب وقال: لابد من دخول بغداد ثم تزاحفوا لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين فانهزم أولا أصحاب ابن ياقوت ونهب سوادهم وسار محمد حتى قطع قنطرة تبريز وسار هرون منفردا لاعتراضه فدخل في بعض المياه وسقط عن فرسه ولحقه غلام لمحمد بن ياقوت فقطع رأسه وانهزم أصحابه وقتل قواده وأسر بعضهم ورجع ابن ياقوت إلى بغداد ظافرا.
|