الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة طرسوس. قد تقدم لنا انتقاض بازمان بطرسوس على مولاه أحمد بن طولون وأنه حاصره فامتنع عليه وأنه راجع بعد طاعة ابنه خمارويه مما حمل إليه من الأموال والأمتعة والسلاح فاستقام أمره بطرسوس مدة وغزا سنة ثمان وسبعين بالصائفة مع أحمد الجعفي وحاصروا اسكندا فأصيب بحجر منجنيق فرجع وهلك في طريقه ودفن بطرسوس وكان استخلف ابن عجيف فأقره خمارويه وأمده بالخيل والسلاح والمال ثم عزله واستعمل عليها ابن عمه ابن محمد بن موسى بن طولون ولما توفي الموفق نزع خادم من خواصه اسمه راغب إلى الشك وطلب المقام بالثغر للجهاد فأذن له المعتضد فسار إلى طرسوس وحط أثقاله بها وسار إلى لقاء خمارويه بدمشق فأكرمه واستجلب أنسه فطال مقامه وألهم أصحابه بطرسوس أنه قبض عليه فأوصلوا أهل البلد في ذلك فوثبوا بأميرهم محمد بن موسى حتى يطلق لهم راغب وبلغ الخبر إلى خماوريه فأطلقه فجاء إليهم ووبخهم على فعلهم فأطلقوا محمد بن موسى وسار عنهم إلى بيت المقدس فأعادوا ابن عجيف إلى ولايته..فتنة أهل الموصل مع الخوارج. قد تقدم لنا هرون بن سليمان كان على الشراة من الخوارج وكان بنو شيبان يقاتلونهم ويغيرون على الموصل فلما كانت سنة تسع وسبعين جاء بنو شيبان لذلك وأغاروا على نينوى وغيرها من الأعمال فاجتمع هرون الشاربي في الخوراج وحمدان ابن حمدون الثعلبي على مدافعتهم وكان مع بني شيبان هرون بن سيما مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني بعثه محمد بن إسحق بن كنداجق واليا على الموصل عندما مات أبوه إسحق وولى مكانه على أعماله بالموصل وديار ربيعة فلم يرضه أهل الموصل وطردوه فسار إلى بني شيبان مستنجدا بهم فلما التقى الجمعان إنهزم بنو شيبان أولا واشتغل أصحاب حمدان والخوارج بالنهب فكر عليهم بنو شيبان وظفروا بهم وكتب هرون بن سيما إلى محمد بن إسحق بن كنداجق يستمده فسار بنفسه وخشيه أهل الموصل فسار بعضهم إلى بغداد يطلبون عاملا يكفيهم أمر ابن كنداجق ومروا في طريقهم بمحمد بن يحيى المجروج الموكل بحفظ الطريق فألفوه وقد وصل إليه بولاية العهد الموصل فبادر وملكها وتواثق ابن كنداجق في مكانه وبعث إلى خمارويه بالهدية ويسأل إمارة الموصل كما كان من قبل فلم يجبه إلى ذلك ثم عزل المجروح وولى بعده علي بن داود الكردي..الصوائف أيام المعتمد. وصل الخبر في سنة سبع وخمسين بأن ملك الروم بالقسطنطينية ميخاييل بن روفيل وثب عليه قريبه مسك ويعرف بالصقلي فقتله لأربع وعشرين سنة من ملكه وملك مكانه وفي سنة تسع وخمسين خرجت عساكر الروم فنازلوا سميساط ثم نازلوا مليطة وقاتلهم أهلها فانهزموا وقتل بطريق من بطارقتهم وفي سنة ثلاث وستين استولى الروم على قلعة الصقالبة وكانت ثغرا لطرسوس وتسمى قلعة كركرة فرد المعتمد ولاية ثغر طرسوس لابن طولون وكان أحمد بن طولون قد خطب ولايتها من الموفق يريد أن يجعلها ركابا لجهاده لخبرته بأحوالها وكان يردد الغزو من طرسوس إلى بلاد الروم قبل ولاية مصر يجبه الموفق وولى عليها الموفق محمد بن هرون الثعلبي واعترضه الشراة أصحاب مساور وهو مسافر في دجلة فقتلوه فولى مكانه أماجور بن أولغ بن طرخان من الترك فسار إليها وكان غرا جاهلا فأساء السيرة ومنع أقران أهل كركرة ميرتهم وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون فجمعوا لهم خمسة عشر ألف دينار فأخذها أماجور لنفسه وأبطأ على أهل القلعة شأنها فنزلوا عنها وأعطوها الروم وكثر أسف أهل طرسوس لذلك بما كانت ثغرهم وعينا لهم على العدو وبلغ ذلك المعتمد فكتب لأحمد بن طولون بولايتها وفوض إليه أمر الثغور فوليها واستعمل فيها من يحفظ الثغر ويقيم الجهاد وقارن ذلك وفاة أماجور عامل دمشق وملك ابن طولون الشام جمعها كما ذكرناه قبل وفي سنة أربع وستين غزا بالصائفة عبد الله بن رشيد بن كاوس في أربعين ألفا من أهل الثغور الشامية فأثخن فيهم وغنم ورجع فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية وقرة كوكب وحرسية وأحاطوا بالمسلمين فاستمات المسلمون واستلحمهم الروم بالقتل ونجا فلهم إلى الثغر وأسر عبد الله بن كاوس وحمل إلى القسطنطينية وفي سنة خمس وستين خرج خمسة من بطارقة الروم إلى أذنه فقتلوا وأسروا والي الثغور أوخرد فعزل عنها وأقام مربطا وبعث ملك الروم بعبد الله بن كاوس ومن معه من الأسرى إلى أحمد بن طولون وأهدى إليه عدة مصاحف وفي سنة ست وستين لقي أسطول المسلمين أسطول الروم عند صقيلة فظفر الروم بهم ولحق من سلم منهم بصقيلة وفيها خرجت الروم على ديار ربيعة واستنفر الناس ففروا ولم يطيقوا دخول الدرب لشدة البرد فيها وغزا عامل ابن طولون على الثغور الشامية في ثلثمائة من أهل طرسوس واعترضهم أربعة آلاف من الروم من بلاد هرقل فنال المسلمون منهم أعظم النيل وفي سنة ثمان وستين خرج ملك الروم وفيها غزا بالصائفة خلف الفرغاني عامل ابن طولون على الثغور الشامية فأثخن ورجع وفي سنة سبعين زحف الروم في مائة ألف ونزلوا قلمية على ستة أميال من طرسوس فخرج إليهم بازيار فهزمهم وقتل منهم سبعين ألفا وجماعة من البطارقة وقتل مقدمهم بطريق البطارقة وغنم منهم سبع صلبان ذهبا وفضة وكان أعظمها مكللا بالجواهر وغنم خمسة عشر ألف دابة ومن السروج والسيوف مثل ذلك وأربع كراسي من ذهب ومائتين من فضة وعشرين علما من الديباج وآنية كثيرة وفي سنة ثلاث وسبعين غزا بالصائفة بازيار وتوغل في أرض الروم وغنم وأسر وسبى وعاد إلى طرسوس وفي سنة ثمان وسبعين دخل أحمد الجعفي طرسوس وغزا مع بازيار بالصائفة ونازلوا إسكندا فأصيب بازيار عليها بحجر منجنيق فرجع ومات في طريقه ودفن بطرسوس.
|