الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر خروج ملك الروم من بلاده إلى الشام: ورحل إلى عين زربة فملكها عنوة، وملك تل حمدون، وحمل أهله إلى جزيرة قبرس، وعبر ميناء الإسكندرونة ثم خرج إلى الشام فحصر مدينة أنطاكية في ذي القعدة، وضيق على أهلها، وبها صاحبها الفرنجي ريمند، فترددت الرسل بينهما، فتصالحا ورحل عنها إلى بغراص، ودخل منها بلد ابن ليون الأرمني، فبذل له ابن ليون أموالاً كثيرة ودخل في طاعته، والله أعلم. .ذكر عدة حوادث: وفيها كثرت الأمراض ببغداد وكثر الموت فجأة بأصفهان وهمذان. وفيها سار أتابك زنكي إلى دقوقا فحصرها وملكها بعد أن قاتل على قلعتها قتالاً شديداً. وفيها توفي أبو سعيد أحمد بن محمد بن ثابت الخجندي رئيس الشافعية بأصفهان، وتفقه على والده، ودرس بالنظامية بأصفهان. وتوفي هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري، ومولده يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، وهو أخر من روى عن أبي الحسن زوج الحرة. وقد روى الخطيب أبو بكر بن ثابت عن زوج الحرة أيضاً، وكانت وفاة الخطيب سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ثم دخلت: .سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة: .ذكر ملك أتابك زنكي حمص وغيرها من أعمال دمشق: وحملت خاتون إليه في رمضان، وإنما حمله على التزوج بها ما رأى من تحكمها في دمشق فظن أنه يملك البلد بالاتصال بها، فلما تزوجها خاب أمله ولم يحصل على شيء فأعرض عنها. .ذكر وصول ملك الروم إلى الشام وملكه بزاعة وما فعله بالمسلمين: ثم إن ملك الروم قاتل بزاعة، ونصب عليها منجنبقات، وضيق على من بها فملكها بالأمان في الخامس والعشرين من رجب، ثم غدر بأهلها فقتل منهم وأسر وسبى. وكان عدة من جرح فيها من أهلها خمسة آلاف وثمانمائة نفس، وتنصر قاضيها وجماعة من أعيانها نحو أربع مائة نفس. وأقام الروم بعد ملكها عشرة أيام يتطلبون من أختفى، فقيل لهم: إن جمعاً كثيراً من أهل هذه الناحية قد نزلوا إلى المغارات، فدخنوا عليهم، وهلكوا في المغاور. ثم رحلوا إلى حلب فنزلوا على قويق ومعهم الفرنج الذين بساحل الشام، وزحفوا إلى حلب من الغد في خيلهم ورجلهم، فخرج إليهم أحداث حلب، فقاتلوهم قتالاً شديداً، فقتل من الروم وجرح خلق كثير، وقتل بطريق جليل القدر عندهم، وعادوا خاسرين، وأقاموا ثلاثة أيام فلم يروا فيها طمعاً، فرحلوا إلى قلعة الأثارب، فخاف من فيها من المسلمين، فهربوا عنها تاسع شعبان فملكها الروم وتركوا فيها سبايا بزاعة والأسرى ومعهم جمع من الروم يحفظونهم ويحمون القلعة وساروا، فلما سمع الأمير أسوار بحلب ذلك رحل فيمن عنده من العسكر إلى الأثارب، فأوقع بمن فيها من الروم، فقتلهم، وخلص السبي والأسرى وعاد إلى حلب. وأما عماد الدين زنكي فإنه فارق حمص وسار إلى سلمية فنازلها، وعبر ثقله الفرات إلى الرقة، وأقام جريدة ليتبع الروم ويقطع عنهم الميرة، وأما الروم فإنهم قصدوا قلعة شيزر، فإنها من أمنع الحصون، وإنما قصدوها لأنها لم تكن لزنكي، فلا يكون له في حفظها الاهتمام العظيم، وإنما كانت للأمير أبي العساكر سلطان بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني، فنازلوها وحصروها، ونصبوا عليها ثمانية عشر منجنيقاً، فأرسل صاحبها إلى زنكي يستنجده، فسار إليه فنزل على نهر العاصي بالقرب منها، بينها وبين حماة، وكان يركب كل يوم ويسير إلى شيزر هو وعساكره ويقفون بحيث يراهم الروم، ويرسل السرايا فتأخذ من ظفرت به منهم. ثم إنه أرسل إلى ملك الروم يقول له: إنكم قد تحصنتم مني بهذه الجبال، فأنزلوا منها إلى الصحراء حتى نلتقي، فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم، وإن ظفرتم استرحتم وأخذتم شيزر وغيرها. ولم يكن له بهم قوة وإنما كلن يرهبهم بهذا القول وأشباهه، فأشار فرنج الشام على ملك الروم بمصافته،وهونوا أمره عليه، فلم يفعل، وقال: أتظنون أنه ليس له من العسكر إلا ما ترون؟إنما هو يريد أن تلقوه فيجيئه من نجدات المسلمين ما لا حد له. وكان زنكي يرسل أيضاً إلى ملك الروم يوهمه بأن فرنج الشام خائفون منه، فلو فارق مكانه لتخلوا عنه، ويرسل إلى فرنج الشام يخوفهم من ملك الروم ويقول لهم: إن ملك بالشام حصناً واحداً ملك بلادكم جميعاً؛ فاستشعر كل من صاحبه، فرحل ملك الروم عنها في رمضان، وكان مقامه عليها أربعة وعشرين يوماً، وترك المجانيق وآلات الحصار بحالها، فسار أتابك زنكي يتبع ساقة العسكر، فظفر بكثير ممن تخلف منهم، وأخذ جميع ما تركوه. ولما كان الفرنج على بزاعة أرسل زنكي القاضي كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله بن قاسم الشهرزوري إلى السلطان مسعود يستنجده، ويطلب العساكر، فمضى إلى بغداد، وانهى الحال إلى السلطان، وعرفه عاقبة الإهمال، وأنه ليس بينه وبين الروم إلا أن يملكوا حلب وينحدروا مع الفرات إلى بغداد، فلم يجد عنده حركة، فوضع إنساناً من أصحابه، يوم جمعة، فمضى إلى جامع القصر، ومعه جماعة من رنود العجم، وأمر أن يثور بهم إذا صعد الخطيب المنبر، ويصيح ويصيحوا معه: وا إسلامه، وا دين محمداه! ويشق ثيابه، ويرمي عمامته من رأسه، ويخرج إلى دار السلطان والناس معه يستغيثون،كذلك ووضع إنساناً آخر يفعل بجامع السلطان مثله. فلما صعد الخطيب المنبر قام ذلك الرجل ولطم رأسه، وألقى عمامته وشق ثوبه، وأولئك معه، وصاحوا، فبكى الناس وتركوا الصلاة، ولعنوا السلطان، وساروا من الجامع يتبعون الشيخ إلى دار السلطان فوجدوا الناس في جامع السلطان كذلك، وأحاط الناس بدار السلطان يستغيثون ويبكون، فخاف السلطان، فقال أحضروا إلي ابن الشهرزوري، فأحضر، فقال كمال الدين: لقد خفت منه مما رأيت، فلما دخلت عليه قال لي: أي فتنة أثرت؟فقلت ما فعلت شيئاً. أنا كنت في بيتي، وإنما الناس يغارون للدين والإسلام، ويخافون عاقبة هذا التواني، فقال: اخرج إلى الناس ففرقهم عنا واحضر غداً واختر من العسكر من تريد، ففرقت الناس وعرفتهم ما أمر به من تجهيز العساكر وحضرت من الغد إلى الديوان، فجهزوا لي طائفة عظيمة من الجيش ن فأرسلت إلى نصير الدين بالموصل أعرفه ذلك، وأخوفه من العسكر إن طرقوا البلاد، فإنهم يملكونها، فأعاد الجواب يقول: البلاد لا شك مأخوذة فلأن يأخذها المسلمون خير من أن يأخذها الكافرون. فشرعنا في التحميل للرحيل، وإذ قد وصلني كتاب أتابك زنكي من الشام يخبر برحيل ملك الروم ويأمرني بأن لا استصحب من العسكر أحداً، فعرفت السلطان ذلك فقال: العسكر قد تجهز، ولابد من الغزاة إلى الشام، فبعد الجهد وبذل الخدمة العظيمة له ولأصحابه أعاد العسكر. ولما عاد ملك الروم عن شيزر مدح الشعراء أتابك زنكي وأكثروا، فمن ذلك ما قاله المسلم بن خضر بن قسيم الحموي من قصيدة أولها: ومنها: وهي قصيدة طويلة، ومن عجيب ما يحكى أن ملك الروم لما عزم على حصر شيزر سمع من بها ذلك، فقال الأمير مرشد بن علي أخو صاحبها وهو يفتح مصحفاً: اللهم بحق من أنزلته عليه إن قضيت بمجيء ملك الروم فاقبضني إليك! فتوفي بعد أيام. .الحرب بين السلطان مسعود والملك داود: لما فارق الراشد بالله أتابك زنكي من الموصل سار نحو أذربيجان، فوصل مراغة، وكان الأمير منكبرس صاحب فارس، ونائبه بخوزستان الأمير بوزابة، والأمير عبد الرحمن طغايرك صاحب خلخال، والملك داود ابن السلطان محمود، مستشعرين من السلطان مسعود،خائفين منه،فتجمعوا ووافقوا الراشد على الاجتماع معهم لتكون أيديهم واحدة، ويردوه إلى الخلافة، فأجابهم إلى ذلك إلا أنه لم يجتمع معهم. ووصل الخبر إلى السلطان مسعود وهو ببغداد باجتماعهم، فسار عنها في شعبان نحوهم، فالتقوا ببنجن كشت، فاقتتلوا، فهزمهم السلطان مسعود، وأخذ الأمير منكبرس أسيرا ًفقتل بين يديه صبراً، وتفرق عسكر مسعود في النهب واتباع المنهزمين. وكان بوزابة وعبد الرحمن طغايرك على نشز من الأرض، فرأيا السلطان مسعودا ًوقد تفرق عسكره عنه، فحملا عليه وهو في قلة فلم يثبت لهما وانهزم، وقبض بوزابة على جماعة من الأمراء: منهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان، وعنتر بن أبي العسكر وغيرهم وتركهم عنده. فلم ا بلغه قتل صاحبه منكبرس قتلهم جميعاً وصار العسكران مهزومين، وكان هذا من أعجب الاتفاق. وقصد السلطان مسعود أذربيجان، وقصد الملك داود همذان، ووصل إليها الراشد بعد الوقعة فاختلفت آراء الجماعة، فبعضهم أشار بقصد العراق والتغلب عليه، وبعضهم أشار باتباع السلطان مسعود للفراغ منه، فإن ما بعده يهون عليهم. وكان بوزابة أكبر الجماعة فلم ير ذلك، وكان عرضه المسير إلى بلاد فارس وأخذها بعد قتل صاحبها منكبرس قبل أن يمتنع من بها عليه، فبطل عليهم ما كانوا فيه، وسار إليها فملكها، وصارت له مع خوزستان. وسار سلجوق شاه ابن السلطان محمد إلى بغداد ليملكها، فخرج إليه البقش الشحنة بها ونظر الخادم أمير الحاج وقاتلوه ومنعوه، وكان عاجزاً مستضعفاً، ولما قتل صدقة بن دبيس أقر السلطان مسعود الحلة على أخيه محمد بن دبيس وجعل معه مهلهل بن ابي العسكر أخا عنتر المقتول يدبر أمره. ولما كان البقش شحنة بغداد يقاتل سلجوقشاه ثار العيارون ببغداد ونهبوا الأموال، وقتلوا الرجال، وزاد أمرهم حتى كانوا يقصدون أرباب الأموال ظاهراً، ويأخذون منهم ما يريدون، ويحملون الأمتعة على رؤوس الحمالين، فلما عاد الشحنة قتل منهم وصلب، وغلت الأسعار وكثر الظلم منه، وأخذ المستورين بحجة العيارين، فجلا الناس عن بغداد إلى المصل وغيرها من البلاد. .ذكر قتل الراشد بالله: فلما كان الخامس والعشرون من رمضان وثب عليه نفر من الخراسانية الذين كانوا في خدمته، فقتلوه وهو يريد القيلولة، وكان في أعقاب مرض وقد برىء منه، ودفن بظاهر أصفهان بشهرستان، فركب من معه فقتلوا الباطنية. ولما وصل الخبر إلى بغداد جلسوا للعزاء به في بيت النوبة يوماً واحداً. وكان أبيض أشقر، حسن اللون مليح الصورة، مهيباً شديد القوة والبطش. قال أبو بكر الصولي: الناس يقولون إن كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لا بد من أن يخلع، وربما قتل. قال: فتأملت ذلك، فرأيته كما قيل، فإن أول من قام بأمر هذه الأمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن، رضي الله عنهم، فخلع ثم معاوية ويزيد ابنه، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير،فخلع وقتل؛ثم الوليد بن عبد الملك، وأخوه سليمان، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد، وهشام ابنا عبد الملك،والوليد بن يزيد ابن عبد الملك،فخلع وقتل؛ ثم لم ينتظم أمر بني أمية؛ثم ولي السفاح،والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين،فخلع وقتل؛ والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين، فخلع وقتل؛ والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر،فخلع، ثم رد، ثم قتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع، فخلع؛ ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد،، فخلع وقتل. قلت: وفي هذا نظر لأن البيعة لأبن الزبير كانت قبل البيعة لعبد الملك بن مروان، وكونه جعله بعده لا وجه له، والصولي إنما ذكر إلى أيام المقتدر بالله ومن بعده ذكره غيره. .ذكر حال ابن بكران العيار: وكان ابن بكران يكثر المقام بالسواد، ومعه رفيق له يعرف بابن البزاز، فانتهى أمرهما إلى أنهما أرادا أن يضربا باسمهما سكة في الأنبار، فأرسل الشحنة والوزير شرف الدين الزينبي إلى الوالي أبي الكرم وقالا: إما أن تقتل ابن بكران، وإما أن نقتلك؛ فأحضر ابن أخيه وعرفه ما جرى، وقال له: إما أن تختارني ونفسك، وإما أن تختار أبن بكران؛ فقال أنا أقتله. وكان لابن بكران عادة يجيء في بعض الليالي إلى ابن أخي أبي الكرم، فيقيم في داره ويشرب عنده،فلما جاء على عادته وشرب، أخذ أبو القاسم سلاحه ووثب به فقتله وأراح الناس من شره، ثم أخذ بعده بيسير، رفيقه ابن البزاز، وصلب، وقتل معه جماعة من الحرامية، فسكن الناس واطمأنوا وهدأت الفتنة. .ذكر قتل الوزير الدركزيني ووزارة الخازن: ووزر بعده أبو العز طاهر بن محمد البروجردي وزير قراسنقر، ولقب عز الملك، وضاقت الأمور على السلطان مسعود، واستقطع الأمراء البلاد بغير اختياره، ولم يبق له شيء من البلاد البتة إلا اسم السلطنة لا غير.؟؟؟ .ذكر عدة حوادث: وفيما انقطعت كسوة الكعبة، لما ذكرناه من الاختلاف، فقام بكسوتها رامشت التاجر الفارسي، كساها من الثياب الفاخرة بكل ما وجد إليه سبيل، فبلغ ثمن الكسوة ثمانية عشر ألف دينار مصرية؛ وهو من التجار المسافرين إلى الهند كثير المال. وفيها توفيت زبيدة خاتون ابنة السلطان بركيارق، زوج السلطان مسعود، وتزوج بعدها سفري ابنة دبيس بن صدقة في جمادى الأولى، وتزوج ابنة قاروت، وهو من البيت السلجوقي، إلا أنه كان لا يزال يعاقر الخمر ليلاً ونهاراً، فلهذا سقط اسمه وذكره. وفيها قتل السلطان مسعود ابن البقش السلاحي شحنة بغداد، وكان قد ظلم الناس وعسفهم، وفعل ما لم يفعله غيره من الظلم، فقبض عليه وسيره إلى تكريت، فسجنه بها عند مجاهد الدين بهروز، ثم أمر بقتلهن فلما أرادوا قتله ألقى بنفسه في دجلة فغرق، فأخذ رأسه وحمل إلى السلطان، وجعل السلطان شحنة العراق مجاهد الدين بهروز، فعمل أعمالاً صالحة منها: أنه عمل مسناة النهروان وأشباهها، وكان حسن السيرة كثير الإحسان. وفيها درس الشيخ أبو منصور بن الرزاز بالنظامية في بغداد. وأرسل إلى أتابك زنكي في إطلاق قاضي القضاة الزينبي، فأطلق وانحدر إلى بغداد، فخلع عليه الخليفة وأقره على منصبه. وفيها كان بخراسان غلاء شديد طالت مدته، وعظم أمره، حتى أكل الناس الكلاب والسنانير وغيرهما من الدواب، وتفرق أكثر أهل البلاد من الجوع. وفيها توفي طغان أرسلان صاحب بدليس وأرزن من ديار بكر وولي بعده ابنه فرني واستقام له الأمر. وفيها، في شهر صفر، جاءت زلزلة عظيمة بالشام والجزيرة وديار بكر والموصل والعراق وغيرها من البلاد، فخربت كثيراً منها، وهلك تحت الهدم عالم كثير. وفيها توفي أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي الفتح الدينوري الفقيه الحنبلي ببغداد، وكان ينشد كثيراً هذه الأبيات: وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن عمر أبو الحسن الكرخي، ومولده سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وكان فقيهاً محدثاً سمع الحديث بكرخ وأصفهان وهمذان وغيرها. وفي شعبان منها توفي القاضي أبو العلاء صاعد بن الحسين بن إسماعيل ابن صاعد، وهو ابن عم القاضي أبي سعيد، وولي القضاء بنيسابور بعد أبي سعيد. ثم دخلت: .سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة: .ذكر الحرب بين السلطان سنجر وخوارزم شاه: وملك سنجر خوارزمن وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ولد أخيه محمد، ورتب له وزيراً وأتابكاً وحاجباً، وقرر قواعده، وعاد إلى مرو في جمادى الأخرى من هذه السنة؛ فلما فارق خوارزم عائداً انتهز خوارزم شاه الفرصة فرجع إليها، وكان أهلها يكرهون العسكر السنجري ويؤثرون عودة خوارزم شاه، فلما عاد أعانوه على ملك البلد، ففارقهم سليمان شاه ومن معه ورجع إلى عمه السلطان سنجر، وفسد الحال بين سنجر وخوارزم واختلفا بعد الاتفاق، ففعل خوارزم شاه في خراسان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ما نذكره إن شاء الله. .ذكر قتل محمود صاحب دمشق وملك أخيه محمد: وكتب من بدمشق إلى أخيه جمال الدين محمد بن بوري صاحب بعلبك، بصورة الحال واستدعوه ليملك بد أخيه، فحضر في أسرع وقت، فلما دخل البلد جلس للعزاء بأخيه، وحلف له الجند وأعيان الرعية، وسكن الناس، وفوض أمر دولته إلى معين الدين أنز،مملوك جده،وزاد في علو مرتبته، وصار هو الجملة والتفصيل؛ وكان أنز خيراً عاقلاً حسن السيرة فجرت الأمور عنده على أحسن نظام. .ذكر ملك زنكي بعلبك: وقيل: كان السبب في ملكها أنها كانت لمعين الدين أنز، كما ذكرناه، وكان له جارية يهواها، فلما تزوج أم جمال الدين سيرها إلى بعلبك، فلما سار زنكي إلى الشام عازماً على قصد دمشق سير إلى أنز يبذل له البذول العظيمة ليسلم إليه دمشق، فلم يفعل. وسار أتابك إلى بعلبك فوصل إليها في العشرين من ذي الحجة من السنة فنازلها في عساكره، وضيق عليها، وجد في محاربتها، ونصب عليها من المنجنيقات أربعة عشر عدداً ترمي ليلاً ونهاراً، فأشرف من بها على الهلاك، وطلبوا الأمان، وسلموا إليه المدينة، وبقيت القلعة وبها جماعة من شجعان الأتراك، فقاتلهم، فلما أيسوا من معين ونصير طلبوا الأمان فأمنهم، فسلموا القلعة إليه، فلما نزلوا منها وملكها غدر بهم وأمر بصلبهم فصلبوا ولم ينج منهم إلا القليل، فاستقبح الناس ذلك من فعله واستعظموهن وخافه غيرهم وحذروه ولاسيما أهل دمشق فإنهم قالوا: لو ملكنا لو ملكنا لفعل بنا مثل فعله بهؤلاء؛ فازدادوا نفوراً وجداً في محاربته. ولما ملك زنكي بعلبك أخذ الجارية التي كانت لمعين الدين أنز بها، فتزوجها بحلب، فلم تزل بها إلى أن قتل، فسيرها أبنه نور الدين محمود إلى معين الدين أنز، وهي كانت أعظم الأسباب في المودة بين نور الدين وبين أنز، والله أعلم.
|