الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ} جوابه محذوف لدلالة ما قبل عليه أي إن خفتم أن يتعرضوا لكم بما تكرهونه من القتال أو غيره فليس عليكم جناح إلخ، وقد أخذ بعضهم بظاهر هذا الشرط فقصر القصر على الخوف، وأخرج ابن جرير عن عائشة رضي الله تعالى عنها، والذي عليه الأئمة أن القصر مشروع في الأمن أيضًا؛ وقد تظاهرت الأخبار على ذلك فقد أخرج النسائي والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئًا ركعتين» وأخرج الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن عن حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين» إلى غير ذلك، ولا يتوهمن أنه مخالف للكتاب لأن التقييد بالشرط عندنا إنما يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط، وأما عدمه عند عدمه فساكت عنه فإن وجد له دليل ثبت عنده أيضًا، وإلا يبقى على حاله لعدم تحقق دليله لا لتحقق دليل عدمه.وناهيك ما سمعت من الأدلة الواضحة، وأما عند القائلين بالمفهوم فلأنه إنما يدل على نفي الحكم عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه فائدة أخرى، وقد خرج الشرط هاهنا مخرج الأغلب كما قيل في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} [البقرة: 229] بل قد يقال إن الآية الكريمة مجملة في حق مقدار القصر وكيفيته وفي حق ما يتعلق به من الصلوات وفي مقدار مدة الضرب الذي نيط به القصر فكلما ورد منه صلى الله عليه وسلم من القصر في حال الأمن وتخصيصه بالرباعيات على وجه التنصيف وبالضرب في المدة المعينة بيان لإجمال الكتاب كما قاله شيخ الإسلام، وقال بعضهم: إن القصر في الآية محمول على قصر الأحوال من الإيماء وتخفيف التسبيح والتوجه إلى أي وجه وحينئذٍ يبقى الشرط على ظاهر مقتضاه المتبادر إلى الأذهان، ونسب ذلك إلى طاوس والضحاك.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: قصر الصلاة إن لقيت العدو وقد حانت الصلاة أن تكبر الله تعالى وتخفض رأسك إيماءًا راكبًا كنت أو ماشيًا، وقيل: إن قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} إلخ متعلق بما بعده من صلاة الخوف منفصل عما قبله.فقد أخرج ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: «سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في إثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ} إلى قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 102] فنزلت صلاة الخوف» ولعل جواب الشرط على هذا محذوف أيضًا على طرز ما تقدم، ونقل الطبرسي عن بعضهم أن القصر في الآية بمعنى الجمع بين الصلاتين وليس بشيء أصلًا.وقرأ أبيّ كما قال ابن المنذر: فأقصروا من الصلاة أن يفتنكم، والمشهور أنه كعبد الله أسقط {إِنْ خِفْتُمْ} فقط، وأيًا مّا كان فإن في موضع المفعول له لما دل عليه الكلام بتقدير مضاف كأنه قيل: شرع لكم ذلك كراهة {أَن يَفْتِنَكُمُ} إلخ فإن استمرار الاشتغال بالصلاة مظنة لاقتداء الكافرين على إيقاع الفتنة، وقوله تعالى: {إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} إما تعليل لذلك باعتبار تعلله بما ذكر، أو تعليل لما يفهم من الكلام من كون فتنتهم متوقعة فإن كمال العداوة من موجبات التعرض بالسوء، و{عَدُوّا} كما قال أبو البقاء: في موضع أعداء، وقيل: هو مصدر على فعول مثل الولوع والقبول، و{لَكُمْ} حال منه، أو متعلق بـ (كان). اهـ.
|