فصل: فصل في متعلق الجار والمجرور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في لغات الاسم:

وفي الاسم خمس لغات: اسم بمض الهمزة وكسرها، وسم بكسر السين وضمها. وقال أحمد بن يحيى: من قال: سم بضم السين، أخذه من سموت أسمو، ومن قال بالكسر أخذه من سميت أسمي، وعلى اللغتين قوله: الرجز:
وعامنا أعجبنا مقدمه

يدعى أبا السمح وقرضاب سمه

مبتركا لكل عظم يلحمه

ينشد بالوجهين، وأنشدوا على الكسر: الرجز:
باسم الذي في كل سورة سمه

فعلى هذا يكون في لام اسم وجهان:
أحدهما: أنها واو.
والثاني: أنها ياء؛ وهو غريب، ولكن أحمد بن يحيى- رحمه الله تعالى- جليل القدر ثقة فيما ينقل.
وسمى مثل: هدى؛ واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: الرجز:
والله أسماك سما مباركا ** آثرك الله به إيثاركا

ولا دليل في ذلك لجواز أن يكون من لغة من يجعله منقوصا مضموم السين، وجاء به منصوبا، وإنما كان ينتهض دليلا لو قيل: سمى حالة رفع أو جر.
وهمزته همزة وصل، تثبت ابتداء، وتحذف درجا، وقد تثبت ضرورة؛ كقوله:
الطويل:
وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ** ولا من تسمى ثم يلتزم الإسما

وهو أحد الأسماء العشرة التي ابتدئ في أوائلها بهمزة الوصل وهي: اسم، واست، وابن، وابنم، وابنة، وامرؤ، وامرأة، واثنان، واثنتان، وايمن في القسم.
والأصل في هذه الهمزة أن تثبت خطا، كغيرها من همزات الوصل.
وإنما حذفوها حين يضاف الاسم إلى الجلالة خاصة؛ لكثرة الاستعمال.
وقيل: ليوافق الخط اللفظ.
وقيل: لا حذف أصلا، وذلك لأن الأصل سِم أو سُم بكسر السن أو ضمها، فلما دخلت الباء سكنت السين تخفيفا؛ لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: إنما حذفوا ألف اسم في قوله تعالى: {بسم الله} وأثبتوها في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] لوجهين:
الأول: أن كلمة {بسم الله} مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال؛ فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع، فإن ذكرها يقلّ.
الثاني: قال الخليل- رحمه الله تعالى- إنما حذفت الألف في: {بسم الله} لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف، فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في: {اقرأ باسم ربك} لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع، كما في: {بسم الله} لأنه يمكن حذف الباء من {اقرأ باسم ربك} مع بقاء المعنى صحيحا، فإنك لو قلت: اقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من: {بسم الله} لم يصح المعنى، فظهر الفرق.
قال بعضهم: فلو أضيفت إلى غير الجلالة ثبتت نحو: باسم الرحمن هذا هو المشهور، وحكي عن الكسائي، والأخفش- رحمه الله تعالى عليهما- جواز حذفها إذا أضيف إلى غير الجلالة من أسماء الباري تعالى؛ نحو: بسم ربك وبسم الخالق.
وإنما طوّلوا الباء من {بسم الله} ولم يطولوها في سائر المواضع لوجهين:
الأول: أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طوّلوا هذه الباء؛ ليدل طولها على الألف المحذوفة التي بعدها، ألا ترى أنهم لما كتبوا {اقرأ باسم ربك} بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية.
قال مكي- رحمه الله تعالى-: حذفت الألف من {بسم الله} لكثرة الاستعمال.
وقيل: حذفت لتحرك السين في الأصل؛ لأن أصل السين الحركة، وسكونها لعلة دخلتها.
الثاني: قال القتيبي: إنما طولوا الباء، لأنهم أرادوا ألا يستفتحوا كتاب الله- تعالى-
إلا بحرف معظم وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يقول لكتابه: طوّلوا الباء، وأظهروا السين، ودوروا الميم تعظيما لكتاب الله تعالى.

.فصل في متعلق الجار والمجرور:

الجار والمجرور لابد له من شيء يتعلق به، فعل، أو ما في معناه، إلا في ثلاث صور:
حرف الجر الزائد، ولعل ولولا عند من يجر بهما، وزاد ابن عصفور- رحمه الله تعالى- كاف التشبيه؛ وليس بشيء، فإنها تتعلق.
إذا تقرر ذلك ف {بسم الله} لابد من شيء يتعلق به، ولكنه حذف، واختلف النحويون في ذلك:
فذهب أهل البصرة: إلى أن المتعلق اسم.
وذهب أهل الكوفة: إلى أنه فعل.
واختلف كل من الفريقين:
فذهب بعض البصريين: إلى أن ذلك المحذوف مبتدأ حذف هو، وخبره، وبقي معموله، تقديره: ابتدائي بسم الله كائن أو مستقر، أو قراءتي بسم الله كائنة أو مستقرة؛ وفيه نظر: من حيث إنه يلزم حذف المصدر، وإبقاء معموله وهو ممنوع. وقد نص مكي رحمه الله تعالى على منع هذا الوجه.
وذهب بعضهم: إلى أنه خبر حذف هو ومبتدؤه- أيضا-، وبقي معموله قائما مقامه؛ والتقدير: ابتدائي كائن بسم الله، نحو: زيد بمكة، فهو على الأول: منصوب المحل، وعلى الثاني: مرفوعه؛ لقيامه مقام الخبر.
وذهب بعض الكوفيين: إلى أن ذلك الفعل المحذوف مقدر قبله، قال: لأن الأصل التقديم؛ والتقدير: أقرأ بسم الله، أو أبتدئ بسم الله.
ومنهم من قدره بعده، والتقدير: بسم الله أقرأ، أو أبتدئ، أو أتلو، وإلى هذا نحا الزمخشري رحمه الله قال: ليفيد التقديم الاختصاص؛ لأنه وقع ردا على الكفرة الذين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم؛ كقولهم: باسم اللات، وباسم العزى وهذا حسن جدا.
ثم اعترض على نفسه بقوله تبارك وتعالى: {اقرأ باسم ربك} حيث صرح بهذا العامل مقدما على معموله.
ثم أجاب: بأن تقديم الفعل في سورة العلق أوقع؛ لأنها أول سورة نزلت؛ فكان الأمر بالقراءة أهمّ.
وأجاب غيره: بأن بسم ربك ليس متعلقا ب {اقرأ} الذي قبله، بل ب {اقرأ} الذي بعده، فجاء على القاعدة المتقدمة، وفي هذا نظر؛ لأن الظاهر على هذا القول أن يكون {اقرأ} الثاني توكيدا للأول؛ فيكون قد فصل بمعمول المؤكد بينه، وبين ما أكده مع الفصل بكلام طويل. واختلفوا- أيضا- هل ذلك الفعل أمر أو خبر؟
فذهب الفرّاء: إلى أنه أمر تقديره: اقرأ أنت بسم الله.
وذهب الزجاج: إلى أنه خبر تقديره: أقرأ أنا، أو أبتدئ ونحوه.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: أجمعوا على أن الوقف على قوله تعالى: {بسم} ناقص قبيح، وعلى قوله تعالى: {بسم الله الرحمن} كاف صحيح، وعلى قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} تام.
واعلم أن الوقف لابد وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثلاث: وهو أن يكون ناقصا، أو كافيا، أو كاملا، فالوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه ناقص، والوقف على كل كلام مفهوم المعاني، إلا أن ما بعده يكون متعلقا بما قبله يكون كافيا، والوقف على كل كلام تام، ويكون ما بعده منقطعا عنه يكون تاما.
ثم لقائل أن يقول: قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] كلام تام، إلا أن قوله تعالى: {الرحمن الرحيم مالك} [الفاتحة: 3] متعلق بما قبله؛ لأنها صفات، والصفات تابعة للموصوفات، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف، وجعلها وحدها آية، فلم لم يقولوا: {بسم الله الرحمن} آية؟ ثم يقولوا: {الرحيم} آية ثانية، وإن لم يجز ذلك، فكيف جعلوا {الرحمن الرحيم} آية مستقلة؟ فهذا الإشكال لابد من جوابه.

.فصل الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟

قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: قالت الحشوية، والكرامية، والأشعرية: الاسم نفس المسمى، وغير التسمية.
وقال المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى، وغير التسمية.
وقبل الخوض في ذكر الدلائل لابد من التنبيه على مقدمة، وهي أن قول القائل: الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟ يجب أن يكون مسبوقا ببيان أن الاسم ما هو؟ وأن المسمى ما هو؟ حتى ينظر بعد ذلك في الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟
فنقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة، وحروف مؤلفة، المسماة تلك الذوات في أنفسها، وتلك الحقائق بأعيانها، فالعلم الضروري حاصل بأن الاسم غير المسمى؛ والخوض في هذه المسألة على هذا التقدير يكون عبثا، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، وبالمسمى- أيضا- تلك الذات، فقولنا: الاسم هو المسمى معناه: أن ذات الشيء عين ذات الشيء، وهذا وإن كان حقا، إلا أنه من إيضاح الواضحات؛ وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
قال البغوي- رحمه الله تعالى-: الاسم هو المسمى، وعينه وذاته؛ قال تبارك وتعالى: {إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} [مريم: 7] ثم نادى الاسم فقال: {يا يحيى} [مريم: 12]، وقال تعالى: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها} [يوسف: 40] وأراد الأشخاص المعبودة؛ لأنهم كانوا يعبدون المسميات.
واعلم أنا استخرجنا لقول من يقول: الاسم نفس المسمى تأويلا لطيفا، وبيانه أن لفظ الاسم اسم لكل لفظ دل على معنى من غير أن يدل على زمان معين، ولفظ الاسم كذلك، فوجب أن يكون لفظ الاسم في هذه الصورة نفس المسمى، إلا أن فيه إشكالا، وهو أن كون الاسم للمسمى من باب المضاف، وأحد المضافين لابد وأن يكون مغايرا للآخر.

.فصل في الأدلة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى:

في ذكر الدلائل الدالة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى: وذلك أن المسمى قد يكون معدوما، فإن المعدوم منفي سلب لا ثبوت له. والألفاظ ألفاظ موجودة، مع أن المسمى بها عدم محض، ونفي صرف.
وأيضا قد يكون المسمى موجودا، والاسم معدوما مثل الحقائق التي ما وضعوا لها ألفاظا معينة، وبالجملة فثبوت كل واحد منها حال عدم الآخر معلوم إما أن يكون مقدرا أو مقررا، وذلك يوجب المغايرة.
الثاني: أن الأسماء قد تكون كثيرة مع كون المسمى واحدا، كالأسماء المترادفة، وقد يكون الاسم واحدا وتكون المسميات كثيرة، كالأسماء المشتركة، وذلك- أيضا-
يوجب المغايرة.
الثالث: أن كون الاسم اسما للمسمى، وكون المسمى مسمى بالاسم من باب الإضافة: كالمالكية، والمملوكية، وأحد المضافين مغاير للآخر، ولقائل أن يقول: يشكل هذا بكون الشيء عالما بنفسه.
الرابع: الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات، وتلك الأصوات أعراض غير باقية، والمسمى قد يكون باقيا، وقد يكون واجب الوجود لذاته.
الخامس: أنا إذا تلفظنا بالنار، والثلج، فهذان اللفظان موجودان في ألسنتنا، فلو كان الاسم نفس المسمى لزم أن يحصل في ألسنتنا النار والثلج، وذلك لا يقوله عاقل.