فصل: فصل الباء من {بسم الله}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في بيان هل البسملة آية من كل سورة أم لا؟

اختلف العلماء في البسملة هل هي آية من كل سورة أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ليست بآية من الفاتحة، ولا من غيرها، وهو قول مالك- رحمه الله- لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وإنما طريقه التواتر.
قال ابن العربي: ويكفيك أنها ليست من القرآن الكريم اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه. والأخبار الصحيحة دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة، ولا من غيرها، إلا في النمل واستدل بما روى مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم ومجّد وبجّل وعظّم أنه قال: «يقول الله تبارك وتعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين». الحديث.
الثاني: أنها آية من كل سورة، وهو قول عبد الله بن المبارك.
الثالث: قال الشافعي- رضي الله تعالى عنه-: هي آية في الفاتحة، وتردد قوله في غيرها، فمرة قال: هي آية من كل سورة، ومرة قال: ليست بآية إلا من الفاتحة وحدها.
ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل.
واحتج الشافعي: بما رواه الدارقطني عن النبي--صلى الله عليه وسلم-، وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظّم- أنه رب العالمين، فاقرءوا «{بسم الله الرحمن الرحيم} إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و{بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها».
وحجة ابن المبارك ما رواه مسلم أن رسول الله--صلى الله عليه وسلم-
وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظّم- قال: «أنزلت عليّ آنفا سورة» فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1].
وسيأتي بقية الكلام على البسملة في آخر الكلام على الفاتحة إن شاء الله تعالى.

.فصل في بيان أن أسماء الله توقيفية أم اصطلاحية؟

اختلف العلماء- رحمهم الله تعالى- في أن أسماء الله- تعالى-: توقيفية أم اصطلاحية؟
قال بعضهم: لا يجوز إطلاق شيء من الأسماء والصفات على الله تعالى إلا إذا كان واردا في القرآن والأحاديث الصحيحة.
وقال آخرون: كل لفظ على معنى يليق بجلال الله وصفاته، فهو جائز؛ وإلا فلا.
وقال الغزالي رحمه الله تعالى: الاسم غير، والصفة غير، فاسمي محمد، واسمك أبو بكر، فهذا من باب الأسماء، وأما الصفات، فمثل وصف هذا الإنسان بكونه طويلا فقيها، وكذا، وكذا، إذا عرفت هذا الفرق فيقال: إما إطلاق الاسم على الله، فلا يجوز إلا عند وروده في القرآن والخبر، أما الصفات فإنه لا تتوقف على التوقيف.
واحتج الأولون بأن قالوا: إن العالم له أسماء كثيرة، ثم إنا نصف الله بكونه عالما، ولا نصفه بكونه طبيبا ولا فقيها، ولا نصفه بكونه متيقنا، ولا بكونه متبينا، وذلك يدل على أنه لابد من التوقيف.
وأجيب عنه فقيل: أما الطبيب فقد ورد؛ نقل أن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض قيل له: نحضر الطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني.
وأما الفقيه فهو أن الفقه: عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه بعد دخول الشبهة فيه. وهذا ممتنع الثبوت في حق الله تعالى، وأما المتيقن: هو العليم الذي حصل بسبب تعاقب الأمارات الكثيرة، وترادفها، حتى بلغ المجموع إلى إفادة الجزم، وذلك في حق الله تعالى محال.
وأما التبيين: فهو عبارة عن الظهور بعد الخفاء.
وإنما قلنا: إن التبيين عبارة عن الظهور بعد الخفاء، وذلك لأن التبيين مشتق من البينونة وهي: عبارة عن التفريق بين أمرين متصلين، فإذا حصل في القلب اشتباه صورة بصورة، ثم انفصلت إحداهما عن الأخرى، فقد حصلت البينونة، فلهذا السبب سمي ذلك بيانا وتبيينا، ومعلوم أن ذلك في حق الله تعالى محال.
واحتج القائلون بأنه: لا حاجة إلى التوقيف بوجوه:
الأول: أن أسماء الله تعالى وصفاته مذكورة بالفارسية، وبالتركية، وبالهندية، وإن شيئا منها لم يرد في القرآن الكريم، ولا في الأخبار، مع أن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها.
الثاني: أن الله تبارك وتعالى قال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]، والاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات المدح، ونعوت الجلال، وكل اسم دل على هذه المعاني كان اسما حسنا، فوجب جواز إطلاقه في حق الله تعالى تمسكا بهذه الآية الكريمة.
الثالث: أنه لا فائدة في الألفاظ إلا رعاية المعاني، فإذا كانت المعاني صحيحة كان المنع من اللفظ المفيد إطلاق اللفظة المعينة عبثا.
وأما الذي قاله الغزالي- رحمه الله تعالى- فحجته: أن وضع الاسم في حق الواحد منا يعد سوء أدب؛ ففي حق الله تعالى أولى.
أما ذكر الصفات بالألفاظ المختلفة، فهو جائز في حقنا من غير منع، فكذلك في حق الباري تعالى.

.فصل في بيان صفات لا تثبت في حق الله:

اعلم أنه قد ورد في القرآن ألفاظ دالة على صفات لا يمكن إثباتها في حق الله تعالى، ونحن نعد منها صورا:
فإحداها: الاستهزاء؛ قال تبارك وتعالى: {الله يستهزئ بكم} [البقرة: 15] ثم إن الاستهزاء جهل؛ لقول موسى- عليه الصلاة والسلام- حين قالوا: {أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} [البقرة: 67].
وثانيها: المكر قال الله تعالى: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54].
وثالثها: الغضب؛ قال الله تعالى: {غضب الله عليهم} [المجادلة: 14].
ورابعها: التعجب؛ قال الله تعالى: {بل عجبت ويسخرون} [الصافات: 12].
فمن قرأ: {عجبت} بضم التاء كان التعجب منسوبا إلى الله تعالى والتعجب: عبارة عن حالة تعرض في القلب عند الجهل بسبب الشيء المتعجب منه.
وخامسها: التكبر؛ قال الله تعالى: {العزيز الجبار المتكبر} [الحشر: 23].
وهو صفة ذم.
وسادسها: الحياء؛ قال الله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا} [البقرة: 26] والحياء: عبارة عن تغيير يحصل في القلب والوجه عند فعل شيء قبيح.
واعلم أن القانون الصحيح في هذه الألفاظ أن نقول: لكل واحد من هذه الأحوال أمور توجد معها في البداية، وآثار تصدر عنها في النهاية- أيضا-.
مثاله: أن الغضب: حالة تحصل في القلب عند غليان دم القلب وسخونة المزاج، والأثر الحاصل منها في النهاية إيصال الضرر إلى المغضوب عليه، فإذا سمعت الغضب في حق الله- تعالى-، فاحمله على نهايات الأعراض، لا على بدايات الأعراض، وقس الباقي عليه.

.فصل في عدد أسماء الله:

قال ابن الخطيب- رحمه الله-: رأيت في بعض كتب الذكر أن لله تعالى أربعة آلاف اسم: ألف منها في القرآن، والأخبار الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، ويقال: ألف آخر في اللوح المحفوظ، ولم يصل ذلك الألف إلى عالم البشر.

.فصل في فضل البسملة:

روي أن نوحا- عليه الصلاة والسلام- لما ركب السفينة قال: {بسم الله مجراها ومرساها} [هود: 41] وجد النجاة بنصف هذه الكلمة، فمن واظب على هذه الكلمة طول عمره كيف يبقى محروما من النجاة؟
وأيضا أن سليمان- عليه الصلاة والسلام- ملكه الله تعالى الدنيا والآخرة بقوله: تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30] فالمرجو أن العبد إذا قاله، فإنه يملك الدنيا والآخرة.
فإن قيل: لم قدم سليمان عليه السلام اسم نفسه على اسم الله تعالى في قوله: {إنه من سليمان وإنه} فالجواب من وجوه:
الأول: أن بلقيس لما وجدت ذلك الكتاب موضوعا على وسادتها، ولم يكن لأحد عليها طريق، ورأت الهدهد واقفا على طرف الجدار، علمت أن ذلك الكتاب من سليمان، فأخذت الكتاب، وقالت: {إنه من سليمان} فلما فتحت الكتاب رأت {بسم الله الرحمن الرحيم} قالت: {وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}.
فقوله: {إنه من سليمان} من كلام بلقيس، لا من كلام سليمان.
الثاني: لعل سليمان كتب على عنوان الكتاب: {إنه من سليمان} وفي داخل الكتاب ابتدأ بقوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} كما هو العادة في جميع الكتب، فلما أخذت بلقيس ذلك الكاب، وقرأت ما في عنوانه، قالت: {إنه من سليمان} فلما فتحت الكتاب، قرأت: {بسم الله الرحمن الرحيم} فقالت: {وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}.
الثالث: أن بلقيس كانت كافرة، فخاف سليمان عليه السلام أن {بسم الله} إذا نظرته في الكتاب شتمته، فقدم اسم نفسه على اسم الله تعالى؛ ليكون الشتم له، لا لله تعالى.

.فصل الباء من {بسم الله}:

الباء من {بسم الله} مشتق من البر، فهو البار على المؤمنين بأنواع الكرامات في الدنيا والآخرة، وأجل بره وكرامته أن يكرمهم يوم القيامة برؤيته.
مرض لبعضهم جار يهودي قال: فدخلت عليه للعيادة وقلت له أسلم، فقال: على ماذا؟ قلت: من خوف النار، قال: لا أبالي بها، فقلت: للفوز بالجنة، فقال: لا أريدها، قلت: فماذا تريد؟ قال: على أن يرني وجهه الكريم، فقلت: أسلم على أن تجد هذا المطلوب، فقال لي: اكتب بهذا خطا، فكتبت له بذلك خطا، فأسلم ومات من ساعته فصلينا عليه ودفناه، فرأيته في النوم فقلت له: يا شمعون، ما فعل بك ربك قال: غفر لي، وقال لي: أسلمت شوقا إليّ.
وأما السين فهو مشتق من اسمه السميع، يسمع دعاء الخلق من العرش إلى ما تحت الثرى. روي أن زيد بن حارثة رضي الله عنه خرج مع منافق من مكة إلى الطائف، فبلغا خربة، فقال المنافق: ندخل هاهنا ونستريح، فدخلا ونام زيد، فأوثق المنافق زيدا، وأراد قتله، فقال زيد: لم تقتلني؟ قال: لأن محمدا يحبك، وأنا أبغضه، فقال زيد: يا رحمن أغثني، فسمع المنافق صوتا يقول: ويحك لا تقتله، فخرج من الخربة، ونظر فلم ير أحدا، وأراد قتله فسمع هاتفا أقرب من الأول يقول: لا تقتله، فخرج فلم ير شيئا، فرجع ليقتله، فسمع صائحا أقرب من الأول يقول: لا تقتله، فخرج فرأى فارسا معه رمح، فضربه الفارس ضربة فقتله، ودخل الخربة، فحل وثاق زيد رضي الله عنه وقال له: أما تعرفني؟ فقال: لا؛ فقال: أنا جبريل حين دعوت كنت في السماء السابعة فقال الله تعالى: أدرك عبدي، وفي الثانية كنت في السماء الدنيا، وفي الثالثة بلغت إلى المنافق، وأما الميم فمعناه: أن من العرش إلى ما تحت الثرى مَلكه ومُلكه.
قال السدي رحمه الله تعالى: أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه الصلاة والسلام، فأتوه فقالوا له: يا نبي الله، لو خرجت بالناس إلى الاستسقاء، فخرجوا فإذا سليمان- عليه الصلاة والسلام- بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها، وهي تقول: اللهم، إنا خلق من خلقك، ولا غنى لنا عن فضلك، قال: فصب الله تعالى عليهم المطر، فقال: قد استجيب لكم بدعاء غيركم.
قال عليه الصلاة والسلام: «من رفع قرطاسا من الأرض فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} إجلالا لله تعالى كتب عند الله من الصديقين وخفف عن والديه، ولو كانا مشركين».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال: «يا أبا هريرة إذا توضأت فقل: بسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات حتى تفرغ، وإذا غشيت أهلك، فقل: بسم الله، فإن حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة، فإن حصل من تلك الواقعة ولد، كتب لك من الحسنات نفس ذلك الولد، وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب حتى لا يبقى منهم أحد، يا أبا هريرة إذا ركبت دابة، فقل: بسم الله، والحمد لله يكتب لك من الحسنات بعدد كل خطوة، فإذا ركبت السفينة فقل بسم الله والحمد لله يكتب لك من الحسنات حتى تخرج منها».
وعن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظّم وفخّم قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم، إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا: {بسم الله الرحمن الرحيم}».
كتب قيصر إلى عمر- رضي الله تعالى عنه- أن بي صداعا لا يسكن، فابعث لي دواء، فبعث إليه عمر قلنسوة، فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه، وإذا رفعها عن رأسه عاد الصداع، فتعجب منه ففتش القلنسوة، فإذا فيها مكتوب {بسم الله الرحمن الرحيم} قال عليه الصلاة والسلام: «من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لتلك الأعضاء، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورا لجميع بدنه».
وطلب بعضهم آية من خالد بن الوليد فقال: إنك تدعي الإسلام، فأرنا آية لنسلم؛ فقال: جيئوني بالسم القاتل، فأتي بطاس من السم، فأخذها بيده وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم} وأكل الكل، وقام سالما بإذن الله تعالى فقال المجوسي: هذا دين حق.
مر عيسى- عليه الصلاة والسلام- على قبر، فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتا، فلما انصرف من حاجته مرّ على القبر، فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور، فتعجب من ذلك، فصلى ودعا الله، فأوحى الله تعالى إليه: يا عيسى، كان هذا العبد عاصيا، ومذ مات كان محبوسا في عذابي، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولدا، وربته حتى كبر، فسلمته إلى الكتّاب، فلقنه المعلم: {بسم الله الرحمن الرحيم} فاستحييت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض، وولده يذكر اسمي على وجه الأرض.
وأسرار {بسم الله الرحمن الرحيم} أكثر من أن تحصى وهذا القدر كاف والله أعلم. اهـ.