فصل: المسألة السادسة: هل يقال لله النور؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثالثة: في الذات:

روى عبد الله الأنصاري الهروي في الكتاب الذي سماه بالفاروق أخبارًا تدل على هذا اللفظ: أحدها: عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن من أعظم الناس أجرًا الوزير الصالح من أمير يطيعه في ذات الله»، وثانيها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله»، وثالثها: عن كعب بن عجرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا عليًا فإنه كان مخشوشًا في ذات الله»، ورابعها: عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل؟ قال: «أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله».
وخامسها: عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أن للشيطان مصايد وفخوخًا منها البطر بأنعم الله، والفخر بعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله».
وأقول: إن كل شيء حصل به أمر من الأمور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرًا قيل إنه ذو ذلك الأمر، وإن كان مؤنثًا قيل إنها ذات ذلك الأمر، فهذه اللفظة وضعت لإفادة هذه النسبة والدلالة على ثبوت هذه الإضافة، إذا عرفت هذا فنقول: إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية، وتلك الصفة الثانية تثبت لصفة ثالثة، وهكذا إلى غير النهاية، بل لابد وأن تنتهي إلى حقيقة واحدة قائمة بنفسها مستقلة بماهيتها، وحينئذٍ يصدق على تلك الحقيقة أنها ذات تلك الصفات، فقولنا: إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية القائمة بنفسها، فلهذا السبب جعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة، ولما كان الحق تعالى قيومًا في ذاته كان إطلاق اسم الذات عليه حقًا وصدقًا، وأما الأخبار التي رويناها عن الأنصاري الهروي فإن شيئًا منها لا يدل على هذا المعنى؛ لأنه ليس المراد من لفظ الذات فيها حقيقة الله تعالى وماهيته، وإنما المراد منه طلب رضوان الله، ألا ترى أنه قال: «لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله». أي: في طلب مرضاة الله، وهكذا الكلام في سائر الأخبار.

.المسألة الرابعة: إطلاق لفظ النفس على الله:

في لفظ النفس، وهذا اللفظ وارد في القرآن، قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وقال: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وعن عائشة قالت: كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فقدته، فطلبته، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد، وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن جاءني يمشي جئته أهرول». والخبر الثالث: عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه على نفسه وهو مرفوع فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي».
والخبر الرابع: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، ومن أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، ومن أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل».
الخبر الخامس: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها هذا التسبيح: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ومداد كلماته، ورضا نفسه، وزنة عرشه.
الخبر السادس: روى أبو ذر عن النبي عليه الصلاة والسلام عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: «حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا» وتمام الخبر مشهور.
الخبر السابع: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] ثم أخذ يمجد الله نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى خفنا سقوطه.
الخبر الثامن: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التقى آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى: أنت الذي أشقيت الناس فأخرجتهم من الجنة، قال آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطنعك لنفسه، وأنزل عليك التوراة، فهل وجدت كتبته على قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، قال فحج آدم موسى ثلاث مرات».
الخبر التاسع: عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: هذا دين ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما».
الخبر العاشر: عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه أنه قال: «من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، فلا أبالي في أي وادٍ من الدنيا أهلكه، وأقذفه في جهنم، وما ترددت في نفسي في قضاء شيء قضيت ترددي في قبض عبدي المؤمن؛ يكره الموت ولابد له منه وأكره مساءته».
الخبر الحادي عشر: عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكان حزنه فرحًا».
الخبر الثاني عشر: عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى بعثني رحمة للعالمين وأن أكسر المعازف والأصنام، وأقسم ربي على نفسه أن لا يشرب عبد خمرًا ثم لم يتب إلى الله تعالى منه إلا سقاه الله تعالى من طينة الخبال». فقال: قلت: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «صديد أهل جهنم».
نفس الشيء ذاته وحقيقته:
واعلم أن النفس عبارة عن ذات الشيء، وحقيقته؛ وهويته، وليس عبارة عن الجسم المركب من الأجزاء، لأن كل جسم مركب، وكل مركب ممكن، وكل ممكن محدث، وذلك على الله محال فوجب حمل لفظ النفس على ما ذكرناه.

.المسألة الخامسة: في لفظ الشخص:

عن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا شخص أغير من الله، ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله».
واعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد من الشخص الجسم الذي له تشخص وحجمية، بل المراد منه الذات المخصوصة والحقيقة المعينة في نفسها تعينًا باعتباره يمتاز عن غيره.

.المسألة السادسة: هل يقال لله النور؟

في أنه هل يجوز إطلاق لفظ النور على الله، قال الله تعالى: {الله نُورُ السموات والأرض} [النور: 35] وأما الأخبار فروى أنه قيل لعبد الله بن عمر: نقل عنك أنك تقول الشقي من شقي في بطن أمه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور شيء فقد اهتدى، ومن أخطأ فقد ضل». فلذلك أقول: جف القلم على علم الله تعالى.
واعلم أن القول بأن الله تعالى هو هذا النور أو من جنسه قول باطل، ويدل عليه وجوه: الأول: أن النور إما أن يكون جسمًا أو كيفية في جسم، والجسم محدث فكيفياته أيضًا محدثة، وجل الإله عن أن يكون محدثًا.
الثاني: أن النور تضاده الظلمة، والإله منزه عن أن يكون له ضد.
الثالث: أن النور يزول ويحصل له أفول، والله منزه عن الأفول والزوال، وأما قوله تعالى: {الله نُورُ السموات والأرض}.
فجوابه أن هذه الآية من المتشابهات، والدليل عليه ما ذكرناه من الدلائل العقلية، وأيضًا فإنه تعالى قال عقيب هذه الآية: {مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35] فأضاف النور إلى نفسه إضافة الملك إلى مالكه، فهذا يدل على أنه في ذاته ليس بنور، بل هو خالق النور.
بقي أن يقال: فما المقتضي لحسن إطلاق لفظ النور عليه؟ فنقول فيه وجوه:
الأول: قرأ بعضهم: {لله نور السموات والأرض} وعلى هذه القراءة فالشبهة زائلة، والثاني: أنه سبحانه منور الأنوار ومبدعها وخالقها؛ فلهذا التأويل حسن إطلاق النور عليه.
والثالث: أن بحكمته حصلت مصالح العالم.
وانتظمت مهمات الدنيا والآخرة، ومن كان ناظمًا للمصالح وساعيًا في الخيرات فقد يسمى بالنور، يقال: فلان نور هذه البلد، إذا كان موصوفًا بالصفة المذكورة.
والرابع: أنه هو الذي تفضل على عباده بالإيمان والهداية والمعرفة، وهذه الصفات من جنس الأنوار ويدل عليه القرآن والأخبار: أما القرآن فقوله تعالى في آخر الآية: {نُّور على نُورٍ يَهْدِى الله لِنُورِهِ مَن يَشَاء}.
وأما الأخبار فكثيرة:
الخبر الأول: ما روى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».
الخبر الثاني: عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هل تدرون أي الناس أكيس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم له استعدادًا قالوا: يا رسول الله، هل لذلك من علامة؟ قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، فإذا دخل النور في القلب انفسح واتسع للاستعداد قبل نزول الموت».
الخبر الثالث: عن ابن مسعود قال: تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} [الزمر: 22] فقلت: يا رسول الله كيف يشرح الله صدره؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقلت: ما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت».
الخبر الرابع: عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق إذ لقيه حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت والله مؤمنًا حقًا، فقال عليه الصلاة والسلام: أنظر ما تقول، فإن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: عرفت فالزم»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل نور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى هذا». ثم قال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فدعا له، فنودي بعد ذلك: يا خيل الله اركبي، فكان أول فارس ركب، فاستشهد في سبيل الله.
الخبر الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع صوتًا من فوقه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: «إن هذا الباب من السماء قد فتح، وما فتح قط، فنزل منه ملك فقال: يا محمد أبشر بنورين لم يؤتهما أحد من قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة».
الخبر السادس: عن يعلى بن منبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمر المؤمن على الصراط يوم القيامة فتناديه النار: جز عني يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي».
الخبر السابع: عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم بك نصبح، وبك نمسي، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور، اللهم اجعلني من أفضل عبادك عندك حظًا ونصيبًا، في كل خير تقسمه اليوم: من نور تهدى به، أن رحمة تنشرها، أو رزق تبسطه، أو ضر تكشفه، أو بلاء تدفعه، أو سوء ترفعه، أو فتنة تصرفها».
الخبر الثامن: عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أهل الجنة فقال: «أهل الجنة شعث رؤسهم، وسخة ثيابهم، لو قسم نور أحدهم على أهل الأرض لوسعهم».
الخبر التاسع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم ينصت لقولهم، حاجة أحدهم تتلجلج في صدره، لو قسم نوره على أهل الأرض لوسعهم».
الخبر العاشر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزّ وجلّ يقول: نوري هداي، ولا إله إلا الله كلمتي، فمن قالها أدخلته حصني ومن أدخلته حصني فقد أمن».
الخبر الحادي عشر: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو «أعوذ بكلمات الله التامة، وبنوره الذي أشرقت له الأرض وأضاءت به الظلمات، من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجأة نقمتك، ومن درك الشقاء وشر قد سبق».
الخبر الثاني عشر: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا». والحديث مشهور.