الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال مهلهل: [الوافر] فقد استعمل في هذه المواضع كلها مُضَافًا إليه متصرّفًا فيه، فكذا هنا، ومثله قوله: [الطويل] وقوله في ذلك: [البسيط] وقول القائل في ذلك: [الطويل] يروى برفع {بينهما} وفتح على أنها فعل لمُخَالف، وإنما بُنِيَ لإضافتِهِ إلى ذلك ومثله في ذلك: أمام ودون، كقوله: [الكامل] برفع أمام، كقول القائل في ذلك: [الطويل] برفع دون. الثاني: أن بين اسم غير ظَرْفٍ، وإنم منعناها الوَصْل، أي: لقد تقطَّع وصلكم. ثم للناس بعد ذلك عبارتان تؤذن بأن بَيْنَ مصدر بان يبينُ بَيْنًا بمعنى بَعْدَ، فيكون من الأضْدَاد، أي: إنه مشترك اشتراكًا لفظيًا يستعمل للوصل والفراق كالجون للأسود، والأبيض، ويعزى هذا لأبي عمرو، وابن جني، والمهدوي، والزهري، وقال أبو عبيدة: وكان أبو عمرو يقول: معنى {تقطع بينكم} تقطع فصارت هنا اسمًا بغير أن يكون معها ما. قوال الزجاج: والرفع أجود، ومعناه: لقد تقطع وصلكم، فقد أطلق هؤلاء أن بين بمعنى الوصل، والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا ان ابن عطية طعن فيه، وزعم أنه لم يسمع من العرب البَيْن بمعنى الوَصْل، وإنما انتزع ذلك من هذه الآية الكريمة، لو أنه أري بالبين الافْتِرَاقُ، وذلك عن الأمر البعيد، والمعنى: لقد تقطعت المسافةُ بينكن لطولها، فعبر عن ذلك بالبين. قال شهاب الدين: فظاهر كلام ابن عطية يُؤذِنُ بأنه فهم أنها بمعنى الوَصْل حقيقة، ثم ردَّهُ بكونه لم يسمع من العرب، وهذا منه غير مرضٍ، لأن أبا عمرو وأبا عبيد وابن جني، والزهراوي، والمهدوي، والزجاج أئمة يقبل قولهم. وقوله: وإنما انتزع من هذه الآية ممنوع، بل ذلك مفهوم من لُغَةِ العرب، ولم لم يكن مَنْ نقلها إلا أبو عمرو لكفى به، وعبارته تُؤذِنُ بأنه مجازٌ، ووجه المجاز كما قال وصداقَةٌ صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمعنى الوَصْلةِ، وعلى خلاف الفُرْقَةِ، فلهذا جاء: لَقَدْ تَقَطَّع وَصْلكُم وإذا تَقدَّرَ هذا، فالقول بكونه مجازًا أولى من القول بكونه مشتركًا؛ لأنه متى تعارضَ الاشتراك والمجاز، فالمجاز خير منه عند الجمهور. وقال أبو علي أيضًا: وَيُدلُّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفًا أنه لا يخلو من أن يكون الذي هو مَصْدَرٌ، فلا يجوز أن يكون هذا القِسْم؛ لأن التَّقدير يصير: لقد تقطَّع اقْتِرَاقكم، وهذا خلاف المقصد، والمعنى أي: ألا ترى أن المراد وَصْلُكُمْ، وما كُنْتُم تتآلَفُون عليه. فإن قلت: كيف جَازَ أن يكون بِمَعْنى: الوَصْلِ، وأصله: الافْتِرَاقُ، والتَّبَايُنُ. قيل: إنه لما استُعمل مع الشَّيْئَيْنِ المُتلابسيْنِ في نحو: بيْنِي وبيْنَك شَرِكَة فذكر ما تقدَّم عنه من وَجْهِ المجازِ. وأجاز أبو عُبَيْدَة، والزَّجَّاج، وجماعة: قراءة الرفع، قال أبو عبيدة: وكذلك يَقْرؤُها بالرفع؛ لأنَّا قد وَجدنا العرب تجعل بَيْنَ اسمًا من غَيْر مَا، ويُصدِّقُ ذلك قوله تعالى: {بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} [الكهف: 61] فجعل بَيْنَ اسمًا من غير ما، وكذلك قوله- تبارك وتعالى: {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] قال: وقد سَمِعْنَاهُ في غير موضع من أشْعارِهَا ثمَّ ذكر ما ذركته عن ابني عمرو بن العلاء، ثمَّ قال: وقرأها الكسَائيُّ نصبًا وكان يعتبرها بحرف عبد الله: لقد تقطَّع ما بينكم. وقال الزَّجَّاج: والرَّفْع أجودن والنَّصْب جَائِز، والمعنى: لقد تقطَّع ما كان من الشَّركة بَيْنكم. الثالث: أن هذا الكلام مَحْمُولٌ على مَعْنَاه؛ إذ المعنى: لقد تَفَرَّقَ جَمْعُكُم وتشتت، وهذا لا يَصْلُح أن يكون تفسير إعرابٍ. قوله: {مَا كُنتُمْ} {ما} يجوز أن تكون مَوْصولةً اسميَّةً، أو نكرة موصوفة، أو مصدريَّة، والعائد على الوجْهَيْن الأوَّلَيْن محذوفٌ، بخلاف الثُّالِث فالتَّقْدِير: تزعمونَهُم شُرَكَاءَ أو شُفَعَاء؛ فالعَائِد هو المفعُول الأوّل، وشركاء هو الثُّاني؛ فالمَفْعُولان مَحْذُوفانِ اختصارًا؛ للدلالةِ عليهما إن قُلْنَا: إنَّ ما موصولة اسميَّة، أو نكرة موصُوفَةً، ويجُوز أن يكون الحَذْفُ اختصارًا؛ إن قلنا: إنَّها مصدريَّة؛ لأن المصدريَّة لا تحتاج إلى عائد، بخلاف غيرها، فإنَّها تَفْتَقِرُ إلى عائدٍ، فلابد من الالتِفَاتِ إلَيْه، وحينئذ يَلْزَمُ تَقْديرُ المفعُول الثُّاني، ومن الحذف اختصارًا: [الطويل] أي: تحسب حُبَّهُم عارًا عليَّ. اهـ. باختصار. .تفسير الآية رقم (95): .مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما كان فلقهما عن النبات من جنس الإحياء لما فيه من النمو فسر معنى الفلق وبينه إشارة إلى الاعتناء به وقتًا بعد وقت بقوله: {يخرج} أي على سبيل التجدد والاستمرار تثبيتًا لأمر البعث {الحي} أي كالنجم والشجر والطير والدواب {من الميت} من الحب والنوى والبيض والنطف فكيف تنكرون قدرته على البعث؛ ولما انكشف معناه وبان مغزاه بإخراج الأشياء من أضدادها لئلا يتوهم- لو كان لا يخرج عن شيء إلا مثله- أن الفاعل الطبيعة والخاصية، عطف على {فالق} زيادة في البيان قوله معبرًا باسم الفاعل الدال على الثبات لأنه لا منازعة لهم فيه، فلم تدع حاجة إلى التعبير بالفعل الدال على التجدد: {ومخرج الميت} أي من الحب وما معه {من الحي} أي من النجم وما معه. ولما تقررت له سبحانه هذه الأوصاف التي لا قدرة أصلًا لأحد غيره على شيء منها، قال منبهًا لهم على غلطهم في إشراكهم، إعلامًا بأن كل شريك ينبغي أن يساوي شريكه في شيء ما من الأمر المشرك فيه، ولا مكافئ له سبحانه وتعالى في شيء من الأشياء فلا شريك له بوجه: {ذلكم} أي العالي المراتب المنيع المراقي هو {الله} أي المستجمع لصفات الكمال وحده فلا يحق الإلهية إلا له؛ ولما كان هذا معنى الكلام، سبب عنه قوله: {فأنَّى} أي فكيف ومن أيّ وجه {تؤفكون} أي تصرفون وتقلبون عما ينبغي اعتقاده. اهـ. .قال الفخر: .اللغة: {سكنا} السكن ما يسكن إليه الإنسان ويانس به، والسكن: الرحمة. {حسبانا} أي بحساب، قال الزمخشري: الحسبان مصدر حسب كما أن الحسبان مصدر حسب ونظيره الكفران والشكران. {متراكبا} بعضه فوق بعض. {قنوان} جمع قنو وهو العذق أي عنقود النخلة. {وينعه} أي نضجه وإدراكه يقال: ينعت الشجرة وأينعت إذا نضجت. {خرقوا} اختلقوا كذبا وإفكا. {بديع} مبدع وهو الخالق على غير مثال سابق، والإبداع الإتيان بشيء لم يسبق إليه، ولهذا يقال لمن أتى في فن من الفنون لم يسبقه فيه غيره: إنه أبدع. {نصرف} التصريف: نقل الشيء من حال الى حال. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: القول الأول: وهو مروي عن ابن عباس وقول الضحاك ومقاتل: {فَالِقُ الحب والنوى} أي خالق الحب والنوى. قال الواحدي: ذهبوا بفالق مذهب فاطر، وأقول: الفطر هو الشق، وكذلك الفلق، فالشيء قبل أن دخل في الوجود كان معدومًا محضًا ونفيًا صرفًا، والعقل يتصور من العدم ظلمة متصلة لا انفراج فيها ولا انفلاق ولا انشقاق، فإذا أخرجه المبدع الموجد من العدم إلى الوجود، فكأنه بحسب التخيل والتوهم شق ذلك العدم وفلقه. وأخرج ذلك المحدث من ذلك الشق.
|