الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (نسخة منقحة)
.تفسير الآية رقم (3): قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. بَعْدَ الْأَمْرِ بِإِحْصَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَوْنِ الْعِدَدِ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ مِنْ أَقْرَاءٍ إِلَى أَشْهُرٍ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْمُعْتَدَّاتُ مُتَفَاوِتَاتُ الْأَقْرَاءِ وَأَمَدِ الْحَمْلِ، فَقَدْ تَكُونُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَابُدَّ مِنْ إِحْصَائِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حُرْمَةٍ وَحِلِّيَّةٍ، فَتَخْرُجُ مِنْ عِدَّةِ هَذَا وَتَحِلُّ لِذَاكَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [2/ 235] وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالْإِحْصَاءِ. وَالْإِحْصَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} مُؤَكِّدٌ لِهَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَيًّا كَانَ هُوَ قَدْرًا لَا يَتَعَدَّاهُ لَا بِزِيَادَةٍ وَلَا بِنَقْصٍ، وَلَفْظُ شَيْءٍ أَعَمُّ الْعُمُومَاتِ. وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَمِنَ الْآيَاتِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [54/ 49]. وَقَوْلُهُ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [25/ 2]. وَقَوْلُهُ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [13/ 8]. وَقَدْ جَمَعَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [15/ 21]. وَمِنَ التَّقْدِيرِ الْخَاصِّ فِي مَخْصُوصِ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [36/ 38- 40]. إِنَّهَا قُدْرَةٌ بَاهِرَةٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَإِرَادَةٌ قَاهِرَةٌ، وَسُلْطَةٌ غَالِبَةٌ، قُدْرَةُ مَنْ أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: أَنَّ حِسَابَ مَسِيرِ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ فِي مَنَازِلِهَا أَدَقُّ مَا يَكُونُ مِنْ مِئَاتِ أَجْزَاءِ الثَّانِيَةِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ جُزْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ لَاخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَمَا صَلُحَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَيَاةٌ، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ حَرَكَةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَنُقْصَانَهُمَا وَزِيَادَتَهُمَا وَفُصُولَ السَّنَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [73/ 20]. وَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى يُحْصِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِوُجُودِ الْإِنْسَانِ قَبْلَ وَبَعْدَ وُجُودِهِ، قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [80/ 18- 19]، أَيْ: قَدَّرَ خَلْقَهُ وَصُورَتَهُ وَنَوْعَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [42/ 49- 50]. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ يَرُدُّ بِهَا سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ جَحَدَ وُجُودَ اللَّهِ وَكَفَرَ بِالْبَعْثِ كَمَا فِي مُسْتَهَلِّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [80/ 17- 18]. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةِ مَاءٍ مَهِينٍ، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قُدْرَتَهَا وَصُورَتَهَا حَتَّى صَارَتْ خَلْقًا سَوِيًّا، وَجَعَلَ لَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا، وَشَفَتَيْنِ أَيْ: وَأَنْفًا وَأُذُنَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ وَكُلَّ جِهَازٍ فِيهِ حَيَّرَ الْحُكَمَاءَ فِي صُنْعِهِ وَنِظَامِهِ. ثُمَّ قَدَّرَ تَعَالَى أَرْزَاقَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ وُجُودِهِ يَوْمَ خَلَقَ الْأَرْضَ، وَجَعَلَهُ آيَةً عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَاتَبَ الْإِنْسَانَ عَلَى كُفْرِهِ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [41/ 9- 10]. وَبَعْدَ وُجُودِ الْكَوْنِ وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ قَدَّرَ فِي الْإِيجَادِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا} [41/ 24- 28]. ثُمَّ إِنَّ صَبَّ هَذَا الْمَاءِ كَانَ بِقَدَرٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} [23/ 18]. وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [42/ 27]، أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُمْ وَلَوْ زَادَهُ لَفَسَدَ حَالُهُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [24/ 27]، وَبِقَدْرِ مَصْلَحَتِهِمْ يُنَزِّلُ لَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ. كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [96/ 6- 7]. هَذِهِ لَمْحَةٌ عَنْ حِكْمَةِ تَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَالَّذِي قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُجُودِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [87/ 3]. وَكَمَا فِي حَدِيثِ الْقَلَمِ وَكِتَابَةِ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ وُجُودِهِ بِزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ وَمِقْدَارِهِ، إِنَّ آيَةَ الْقُدْرَةِ وَبَيَانَ الْعَجْزِ قُدْرَةُ الْخَالِقِ وَعَجْزُ الْمَخْلُوقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [7/ 34]. وَكَقَوْلِهِ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [35/ 11] أَيْ: لَا يَتَعَدَّاهُ وَلَا يَتَخَطَّاهُ، وَقَدْ تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [56/ 83/- 87] كَلَّا إِنَّهُمْ مَدِينُونَ وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا إِرْجَاعَهَا. وَهُنَا يُقَالُ لِلدَّهْرِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ الَّذِينَ لَا يَعْتَرِفُونَ بِوُجُودِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَعَزِيزٍ قَهَّارٍ، إِنَّ هَذَا الْكَوْنَ بِتَقْدِيرَاتِهِ وَنُظُمِهِ لَآيَةٌ شَاهِدَةٌ وَبَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [36/ 83]. كَمَا يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا إِنَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ نَافِذٌ، وَمَا قُدِّرَ لِلْعَبْدِ آتِيهِ، وَمَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ لَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ، طُوِيَتِ الصُّحُفُ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ: {لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [57/ 23]. وَيُقَالُ مَرَّةً أُخْرَى: اعْمَلُوا كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. فِيهِ إِطْلَاقٌ لِوَضْعِ الْحَمْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ هُوَ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ يَصْدُقَ بِوَضْعِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَلَكِنِ اشْتُرِطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ خِلْقَةُ الْإِنْسَانِ لَا مُضْغَةً وَلَا عَلَقَةً، كَمَا أَنَّ فِيهِ إِطْلَاقَ الْأَجَلِ سَوَاءٌ لِلْمُطَلَّقَةِ أَوِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ أَنَّهُ يَنْقَضِي أَجَلُ الْحَوَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا لِلشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- وَهُنَا مَبْحَثُ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ لِلشَّيْخِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} الْآيَةَ (13/ 8). .تفسير الآية رقم (6): قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}. بَيَّنَ تَعَالَى مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [2/ 233]. وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ زِيَادَةً عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِتَمْرِينِ الطِّفْلِ عَلَى الْفِطَامِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. فَإِذَا أَمْكَنَ فِطَامُ الطِّفْلِ قَبْلَهَا بِدُونِ مَضَرَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا مَانِعَ، وَعَلَى الْوَالِدِ إِيتَاءُ الْأُجْرَةِ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ إِلَى الْفِطَامِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُدَّةَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا هُنَا أَوِ الْفِعْلِيَّةَ قَبْلَهَا. وَلَيْسَ مُلْزَمًا بِمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي نَصِّ الْآيَةِ. وَالِائْتِمَارُ بِمَعْرُوفٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ لِلْعُرْفِ دَخْلًا فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ تَنْبِيهٌ صَرِيحٌ بِأَنْ لَا يُضَارَّ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ بِوَلَدِهِ وَأَنْ تَكُونَ الْمُفَاهَمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ سَوَاءٌ فِي خُصُوصِ الرَّضَاعِ أَوْ غَيْرِهِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ وَالتَّسَامُحِ وَالْإِحْسَانِ وَفَاءً لِحَقِّ الْعِشْرَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. .تفسير الآية رقم (8): قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} الْآيَةَ. ذَكَرَ الشَّيْخُ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- فِي مُذَكِّرَةِ الْإِمْلَاءِ أَنَّ كَأَيِّنْ بِمَعْنَى كَمْ فَهِيَ إِخْبَارٌ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَذَكَرَ إِعْرَابَهَا، وَالْمَعْنَى: كَثِيرٌ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا أَيْ: تَكَبَّرَتْ وَطَغَتْ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ لِلْمَعْنَى بِالْأَمْثِلَةِ وَالشَّوَاهِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [22/ 45] فِي سُورَةِ الْحَجِّ. وَمِمَّا قَدَّمَهُ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [18/ 59]، بَيَانٌ لِأَصْحَابِ الرِّئَاسَةِ وَرِجَالِ السِّيَاسَةِ أَنَّ هَلَاكَ الدُّنْيَا بِفَسَادِ الدِّينِ، وَأَنَّ أَمْنَ الْقُرَى وَطُمَأْنِينَةَ الْعَالَمِ بِالْحِفَاظِ عَلَى الدِّينِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي عَامَّةِ النَّاسِ لِلْحِفَاظِ عَلَى دِينِهِمْ وَسَلَامَةِ دُنْيَاهُمْ، فَحَمَّلَ الشَّارِعُ مُهِمَّتَهُ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا كُلٌّ بِحَسَبِهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوِ الْقَلْبِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَفِيهِ الْإِبْقَاءُ عَلَى دَوَامِ الْإِحْسَاسِ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى تَغْيِيرِهِ. قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَفْهُومَ بِبَيَانِ حَالِ الَّذِينَ مَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِنَصْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [22/ 41]. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى الْأُمَمَ الَّتِي كَذَّبَتْ وَعَتَتْ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَلُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ. ثُمَّ قَالَ: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [22/ 45]. .تفسير الآية رقم (12): قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}. جَاءَ فِي بَيَانِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهَا سَبْعٌ طِبَاقٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [67/ 3]. وَبَيَّنَ الْحَدِيثُ فِي الْإِسْرَاءِ أَنَّ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَجَاءَ لَفْظُ السَّمَاءِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا، فَالْمُفْرَدُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [91/ 5]. وَقَوْلِهِ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [2/ 22]. أَمَّا الْأَرْضُ فَلَمْ يَأْتِ لَفْظُهَا إِلَّا مُفْرَدًا، وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلُهَا كَتَفْصِيلِ السَّمَاءِ سَبْعًا طِبَاقًا، فَاخْتُلِفَ فِي الْمِثْلِيَّةِ فَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ تَامَّةٌ عَدَدًا وَطِبَاقًا وَخَلْقًا، وَقِيلَ: عَدَدًا وَأَقَالِيمَ يَفْصِلُهَا الْبِحَارُ، وَقِيلَ: عَدَدًا طِبَاقًا مُتَرَاكِمَةً كَطَبَقَاتِ الْبَصَلَةِ مَثَلًا، وَلَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ مِنْ أَوْجُهِ الْبَيَانِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ وَوُجِدَ فِي السُّنَّةِ فَإِنَّهُ يُبَيَّنُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا وَحْيٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ سَبْعُ أَرَضِينَ كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَنِ اغْتَصَبَ أَرْضًا أَوْ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ مُوسَى لَمَّا قَالَ: «يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُوكَ بِهِ فَقَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ لَمَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ أَثْبَتَتْ أَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْعٌ، وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلٌ لِلْكَيْفِيَّةِ وَلَا لِلْهَيْئَةِ فَثَبَتَ عِنْدَنَا الْعَدَدُ وَلَمْ يَثْبُتْ غَيْرُهُ، فَنُثْبِتُهُ وَنَكِلُ غَيْرَهُ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْعَدَدِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ أَنَّ مِثْلِيَّةَ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا عِنْدَ ذِكْرِ السَّمَاءِ مُجْمَلَةً مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ وَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ تَفْصِيلِهَا بِطِبَاقٍ مِمَّا يُشْعِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ الْعَدَدُ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا لَا يَتَنَافَى مَعَ أَفْرَادِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ شَاذٌّ. كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَأَرَضُونَ شَذَّ وَالسُّنُونَ وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ هُنَاكَ مِنْ حَالَاتِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْخَلْقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [18/ 51]، وَهُمْ لَا يَزَالُونَ عَاجِزِينَ عَنْ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ إِلَّا تَفْصِيلَاتٍ جُزْئِيَّةً، وَالْمُهِمُّ مِنَ السِّيَاقِ وَالْغَرَضِ الْأَسَاسِيِّ، تَنْبِيهُ الْخَلْقِ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [65/ 12]. .سُورَةُ التَّحْرِيمِ: .تفسير الآية رقم (1): قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الْآيَةَ. تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ قَبْلَهَا بَيَانُ عَلَاقَةِ الْأُمَّةِ بِالْخِطَابِ الْخَاصِّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ الْعَسَلَ أَوْ هُوَ مَارِيَةُ جَارِيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ إِيضَاحِهِ عَنِ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [66/ 1]، ظَاهِرٌ فِيهِ مَعْنَى الْعِتَابِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [80/ 1- 3]. وَكِلَاهُمَا لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْجَانِبِ الشَّخْصِيِّ سَوَاءٌ ابْتِغَاءُ مَرْضَاةِ الْأَزْوَاجِ، أَوِ اسْتِرْضَاءُ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّشْرِيعَ الْإِسْلَامِيَّ لَا مَدْخَلَ لِلْأَغْرَاضِ الشَّخْصِيَّةِ فِيهِ. وَبِهَذَا نَأْخُذُ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ: إِنَّ إِعْمَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ كَانَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ غَيْرَهَا. وَمَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ هُوَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ أَزْوَاجِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ إِحْلَالُ وَتَجْوِيزُ مَا لَا يَجُوزُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِنَّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أَمَّا تَحِلَّةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ الْحَنْثِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لِلشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [2/ 225]. أَمَّا حَقِيقَةُ التَّحْرِيمِ هُنَا، وَنَوْعُ الْكَفَّارَةِ، وَهَلْ كَفَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَكْفِيرٍ، فَقَدْ أَوْضَحَهُ الشَّيْخُ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- فِي مُذَكِّرَةِ الْإِمْلَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي الْأَضْوَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [33/ 4]، وَذَلِكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ نَحْوُ عِشْرِينَ قَوْلًا، وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ ظِهَارٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَنَاقَشَ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا هُنَاكَ. .تفسير الآية رقم (4): قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}. أُطْلِقَتِ التَّوْبَةُ هُنَا وَقُيِّدَتْ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا بِأَنَّهَا تَوْبَةٌ نَصُوحٌ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [66/ 8]. وَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَشُرُوطُهَا وَآثَارُهَا تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [24/ 31]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}. قَالَ الشَّيْخُ فِي إِمْلَائِهِ: صَغَتْ: بِمَعْنَى مَالَتْ وَرَضِيَتْ وَأَحَبَّتْ مَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ. وَقَالَ: {وَقُلُوبُكُمَا} جَمْعٌ مَعَ أَنَّهُ لِاثْنَتَيْنِ هُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُومٌ وَالْجَمْعَ أَخَفُّ مِنَ الْمُثَنَّى إِذَا أُضِيفَ. وَقِيلَ هُوَ مِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [4/ 11]. وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا} مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْكُمَا؛ لِأَنَّ قُلُوبَكُمَا مَالَتْ إِلَى مَا لَا يُحِبُّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ. وَقَدَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: الْوَقْفُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَتَكُونُ الْوَلَايَةُ خَاصَّةً بِاللَّهِ، وَيَكُونُ جِبْرِيلُ مُبْتَدَأً وَمَا بَعْدَهُ عُطِفَ عَلَيْهِ، وَظَهِيرٌ خَبَرٌ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ جِبْرِيلُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ بِالْخُصُوصِ أَوَّلًا وَبِالْعُمُومِ ثَانِيًا. وَقِيلَ: الْوَقْفُ عَلَى جِبْرِيلَ مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْوِلَايَةِ، ثُمَّ ابْتُدِئَ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَعُطِفَ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَيَدْخُلُ فِيهِمْ جِبْرِيلُ ضِمْنًا. اهـ. فَعَلَى الْوَقْفِ الْأَوَّلِ يَكُونُ دَرْجُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ تَنْبِيهًا عَلَى عُلُوِّ مَنْزِلَةِ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانِ مَنْزِلَتِهِمْ مِنْ عُمُومِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ جِبْرِيلَ، وَعَلَى الْوَقْفِ الثَّانِي فِيهِ عِطْفُ جِبْرِيلَ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْوَلَايَةِ بِالْوَاوِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ التَّعَارُضَ مَعَ الْحَدِيثِ فِي ثُمَّ إِذْ مَحَلُّ الْعَطْفِ هُوَ الْوِلَايَةُ، وَهِيَ قَدْرٌ مُمْكِنٌ مِنَ الْخَلْقِ وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [8/ 62] لِأَنَّ النَّصْرَ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ وَيَكُونُ مِنَ الْعِبَادِ، مِنْ بَابِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [9/ 40]. وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [59/ 8]. وَقَوْلِهِ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [3/ 52]، بِخِلَافِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، فَقَدْ كَانَ فِي مَوْضُوعِ الْمَشِيئَةِ حِينَمَا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ»؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَشِيئَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [81/ 29]، وَكَقَوْلِهِ: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [13/ 31]، وَكَقَوْلِهِ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [30/ 4]. وَمِنَ اللَّطَائِفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَانِ فَقَطْ تَآمَرَتَا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَجَاءَ بَيَانُ الْمُوَالِينَ لَهُ ضِدَّهُمَا كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ، مَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ كَيْدِهِنَّ وَضَعْفِ الرِّجَالِ أَمَامَهُنَّ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [12/ 28]، بَيْنَمَا قَالَ فِي كَيْدِ الشَّيْطَانِ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [4/ 76]. وَقَدْ عَبَّرَ الشَّاعِرُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: .تفسير الآية رقم (5): قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}. فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ الَّتِي يَخْتَارُهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ هِيَ تِلْكَ الصِّفَاتُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ «فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ». وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [2/ 221]. وَفِي تَقْدِيمِ الثَّيِّبَاتِ عَلَى الْأَبْكَارِ هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّخْيِيرِ مَا يُشْعِرُ بِأَوْلَوِيَّتِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ: «هَلَّا بِكْرًا تُدَاعِبُكَ وَتُدَاعِبُهَا»، وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، فَفِيهِ أَوْلَوِيَّةُ الْأَبْكَارِ، وَقَدْ أَجَابَ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ هَذَا لِلتَّنْوِيعِ فَقَطْ، وَأَنَّ الثَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْأَبْكَارَ فِي الْجَنَّةِ كَمَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مَقَامِ الِانْتِصَارِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْبِيهِهِنَّ لِمَا يَلِيقُ بِمَقَامِهِ عِنْدَهُنَّ ذَكَرَ مِنَ الصِّفَاتِ الْعَالِيَةِ دِينًا وَخُلُقًا، وَقَدَّمَ الثَّيِّبَاتِ؛ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ فِيهِنَّ بِحَسَبِ الْعِشْرَةِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ طَلَّقَهُنَّ، أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ لِلتَّحْقِيقِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُنَّ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، بِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ، وَلَمْ يُبْدِلْهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْهُنَّ. وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِخْلَالَ الزَّوَاجِ إِلَيْهِ وَتَحْرِيمَ النِّسَاءِ بَعْدَهُنَّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الْآيَةَ [33/ 50]. وَقَوْلِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [33/ 51]. وَقَوْلِهِ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} الْآيَةَ [33/ 52]. وَبَيَّنَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فِي ذَلِكَ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ. .تفسير الآية رقم (7): قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ}. لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا نَوْعَ الِاعْتِذَارِ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ وَلَا سَبَبَ النَّهْيِ عَنْهُ لِمَاذَا؟ وَلَا زَمَنَهُ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى نَوْعَ اعْتِذَارِهِمْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [7/ 38]. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [6/ 23]. وَكَقَوْلِهِ بَعْدَهَا: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [6/ 27] فَهَذَا غَايَةٌ فِي الِاعْتِذَارِ، وَلَكِنَّهُمْ نُهُوا عَنْهُ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ، أَيْ: إِلَى الدُّنْيَا. وَقَدْ نُهُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِذَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [30/ 57]. وَقَوْلِهِ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [40/ 52]. قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}. تَقَدَّمَتِ الْإِحَالَةُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّوْبَةِ، وَشُرُوطِ كَوْنِهَا نَصُوحًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [24/ 31]. قَوْلُهُ تَعَالَى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةَ. تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا النُّورِ وَحَالَتِهِمْ تِلْكَ لِلشَّيْخِ- رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ- فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [57/ 12].
|